للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعلمه، ويغض بهذا التفوق من مكانتهم ونفوذهم القديم لدى الدولة اللمتونية، بل شمل هذا الإنكار كثيراً من المؤرخين.

ولا يكتفي ابن خلدون بالدفاع عن صحة دعوة المهدي، بل يقرن ذلك بالدفاع عن نسبه في آل البيت، وهو هنا في تدليله أضعف منطقاً، حينما يقول أنه لا دليل يعضد إنكار هذه النسبة، والناس مصدقون في أنسابهم. وهو إذ يشعر هنا بضعف منطقه، يقول لنا إن ظهور المهدي لم يكن يتوقف على نسبته، وإنما قام أمره بعصبيته القبلية في هرغة ومصمودة، وأن هذا النسب الفاطمي، كان أمراً خفياً عنده وعند عشيرته يتناقلونه بينهم (١).

ويذكرنا موقف ابن خلدون في الدفاع عن دعوة المهدي ابن تومرت ونسبه، بموقفه عن نسب بني عبيد الخلفاء الفاطميين، فهو يتصدى لتأييده وإثباته، ويعتبر الطعن فيه من " الأخبار الواهية " التي عنى بتفنيدها في مقدمته، وأن هذا الطعن يرجع بالأخص إلى الأحاديث التي لفقت لبني العباس خصوم الفاطميين تزلفاً إليهم، ويعتمد هنا على نفس النظرية التي لجأ إليها في الدفاع عن دعوة المهدي، وهو أن ظهور الفاطميين، وقيام الدولة الفاطمية المترامية الأطراف، واتصال أمرها نحواً من مائتين وسبعين عاماً، كل ذلك لا يمكن أن يتم لدعيّ (٢).

وهي طريقة معكوسة في التدليل، ونظرية واضحة الضعف والسقم، إذ كان على بن خلدون أن يقدم لنا الأدلة المباشرة، على صحة نسب الفاطميين لآل البيت، كما قدم خصومهم الأدلة على بطلان هذه النسبة.

وقد تناول كاتب مشرقي من كتاب النصف الأول من القرن الثامن الهجري هو الحسن بن عبد الله العباسي في كتابه " آثار الأول وترتيب الدول " مَثَل ابن تومرت وقصة ظهوره، في معرض الكلام عن الزهاد، والمغالطين باسم الزهد، والدعاة الذين يعمدون إلى الطعن في أحوال الملك، وإثارة الجماهير، وخطر تركهم، وأنه " ينبغي للملك أن ينظر في حالة هذه الطائفة، ويميز محقهم من مبطلهم، ويفرق بين الزاهد والمتزهد، وفيهم أصناف من أهل الغلط في طريق الزهد والمغالطة لأغراض أخر، منهم صنف يغلب عليهم محبة الرياسة والإمرة، ويتفق إعراض الملك عنهم وانقباضه لمخالفة طبعه لطباعهم "، وأن ذلك مما يحملهم على الطعن


(١) ابن خلدون في المقدمة ص ٢٣.
(٢) ابن خلدون في المقدمة ص ١٧ و ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>