للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو التحريم، فهذه الثلاث هي المعتبرة في القياس الشرعي، وهي مضطردة في جميع الشرع، فمتى خرج عن هذه الثلاث أو واحدة منها لم يصح قياس ولا يقاس بعضها على بعض لأنها متناقضة. ولا يصح القياس في المتناقضات، خلافاً لما ذهب إليه من لا معرفة عنده بالقياس، فقاسوا المتناقضات كالمحرمات على المباحات، ومزقوا الشرع كل ممزق (١).

أما عن الاجتهاد كأصل من أصول الشريعة، فإن ابن تومرت يحمل عليه، ويقول مشيراً إلى إثبات النفي، إنه قلب للحقائق، وقلب الحقائق محال، ثم يقول " إن هذه القاعدة كثيرة الإلتباس، وعنها زل كثير من الناس، وبالجهل بها، وعدم التحقيق لها، قالوا كل مجتهد مصيب، فجعلوا هذه المقالة سلماً إلى هدم الشريعة، وإسناد الأحكام إلى غير مستندها، وعكس الحقائق عن موضوعها، وصيروا الحلال حراماً، والحرام حلالا، وجعلوا الشرع متناقضاً، واتبعوا قولة كل قائل، وإن تناقضت، واعتقدوا الحق في المجتهدات وإن تعارضت " (٢).

ومعنى ذلك بقول آخر أن ابن تومرت كان يأخذ في تفسير الشريعة بالمذهب الظاهري، فيما يقول به من وجوب الاعتماد في استقاء الأحكام على القرآن والسنة دون غيرهما، وقد كان الإمام الفيلسوف ابن حزم القرطبي، يرى فوق ذلك أن يطبق المذهب الظاهري على العقائد، ويرى أنه يجب أن يؤخذ بمعنى الكلمة المكتوبة والحديث الثابت، ويعتبرهما حاسمين. ومن الغريب أن الظاهرية لم تنتظم في ظل الموحدين إلى مدرسة مذهبية إلا بعد المهدي بنحو ستين عاماً في عصر الخليفة يعقوب المنصور، ففي هذا الوقت فقط، اعترف بأن الظاهرية هي المدرسة الفقهية الرسمية.

بيد أنها لم تكن مدرسة ناجحة، وقد أخفقت في حل كثير من المسائل (٣).

وإنكار ابن تومرت لقيمة الاجتهاد كمصدر من مصادر الشريعة، ومعارضته لجهود المجتهدين. في تجديد الشريعة، والاستنباط في مجال الاجتهاد، من الأمور المنطقية، لأن ابن تومرت يتشح بثوب " الإمام المعصوم " الذي لا تبحث آراؤه، ولا ترد أحكامه. ويلاحظ العلامة جولدسيهر أن ابن تومرت يخالف بهذه النظرية سائر الآراء السنية التي تسلم بقيمة آراء المجتهدين في الإمامة وغيرها، ويفرض


(١) كتاب محمد بن تومرت ص ١٧٣، ١٧٤.
(٢) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٥.
(٣) الأستاذ شتروتمان في دائرة المعارف الإسلامية (مقال الظاهرية، وابن حزم).

<<  <  ج: ص:  >  >>