للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يحدثنا ابن تومرت بعد ذلك عن " العموم والخصوص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفسر، والناسخ والمنسوخ، والحقيقة والمجاز، والكناية والتعريض والتصريح، والأسماء اللغوية التي غلب عليها العرف وخصصها، والأسماء المنقولة من اللغة إلى عرف الشرع "، وهو يتناول هذه الأشياء على ضوء الدين، ويمثل لها بمختلف الآيات القرآنية. ثم يعود فيحدثنا من جديد عن العلم وفضله وتقاسيمه في فصل خاص، ينحو فيه منحاه المأثور في التصنيف والتقسيم.

- ٢ -

بعد ذلك ينتقل بنا ابن تومرت إلى مسألة العقيدة، ويحدثنا عن التوحيد، وعن دلائل وجود الباري سبحانه، وتنزيهه عن التشبيه. وإذا كان التوحيد في الأصل ركناً من أركان الإسلام الأساسية، فإنه يعتبر هنا وبنوع خاص أساساً لمذهب ابن تومرت الديني والسياسي معاً، وهو يتحول على يد المهدي من صفته الدينية إلى فكرة سياسية، هي التي أضحت أساس الدولة الموحدية، ودعامة سلطانها الأولى. ويلاحظ العلامة جولدسيهر بهذه المناسبة، أن فكرة التوحيد لم يبق معناها فيما بعد، هو الاعتراف بوحدانية الله، ولكن غدا معناها الخضوع لحكومة الموحدين (١)، ويستشهد على ذلك بما ذكره ابن صاحب الصلاة في تاريخه من خضوع الزعيم الأندلسي إبراهيم بن همشك لحكومة الموحدين في سنة ٥٦٤ هـ ووصفه ذلك الخضوع في قوله: " توحيد ابن همشك "، والتعبير عن رغبته في الاستسلام برغبته في " التوحيد والتوبة " (٢) ويقدم إلينا ابن تومرت بعد ذلك صيغة التوحيد وصيغ التسبيح التي وضعها لأتباعه، وهي صيغ تردد مضمون عبارات التوحيد والتقديس التي عرفت منذ الأجيال (٣).

على أن أهم ما يتضمنه كتاب ابن تومرت، هو كلامه عن الإمامة وعن الإمام المعصوم، وعن المهدي وعلاماته، وعن قيام الطائفة التي تقوم في آخر الزمان لتقاتل في سبيل الحق. ويمكننا أن نعتبر هذا الفصل لب الكتاب، ولب مذهب


(١) I. Goldziher: Materialien zur Kentniss der Almohaden Bewegung. (Z. der Mog. Gesellsch. ١٨٨٧) , p. ٧٠
(٢) في كتاب " المن بالإمامة على المستضعفين " (مخطوط أكسفورد السالف الذكر، لوحة ١٢٦ ب).
(٣) كتاب المهدي ابن تومرت ص ٢٤٠ - ٢٤٤، وقد نقلنا بعضها في باب الوثائق في نهاية الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>