للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن تومرت كله، ولب دعوته السياسية كلها، فإن الإمامة الدينية، هي الشعار السياسي الذي انتحله ابن تومرت، دعامة لزعامته وسلطانه. ونظرية المهدي المنتظر، هي الثوب الروحي الذي اتشح به، لتأييد شرعية إمامته وقدسيتها.

ونحن نعرف أن الإمامة هي شعار الدعوة الشيعية، الديني والسياسي، وأنها تخص بها آل البيت دون سواهم، وعلى كر العصور. ولكن ابن تومرت، في تمسكه بنظرية الإمامة، يبدو مستقلا، بعيداً عن الدعوة الشيعية، وممثلا لدعوة خاصة، وإن كان في نفس الوقت يحرص على أن ينتسب إلى آل البيت، حتى تتوفر فيه شرعية الإمامة، وإليك كيف يعرض لنا ابن تومرت نظرية الإمامة وخصائصها حين يقول:

" هذا باب في العلم، وهو وجوب اعتقاد الإمامة على الكافة، وهي ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الشريعة، ولا يصح قيام الحق في الدنيا إلا بوجوب اعتقاد الإمامة في كل زمان من الأزمان إلى أن تقوم الساعة. ما من زمان إلا وفيه إمام لله قائم بالحق في أرضه من عاد إلى نوح، ومن بعده إلى ابراهيم .. ولا يكون الإمام إلا معصوماً من الباطل ليهدم الباطل، لأن الباطل لا يهدم الباطل، وأن يكون معصوماً من الضلال، لأن الضلال لا يهدم الضلال .. وأن يكون معصوماً من الجور لأن الجائر لا يهدم الجور بل يثبته، وأن يكون معصوماً من البدع، لأن المبتدع لا يهدم الكذب بل يثبته، وأن يكون معصوماً من العمل بالجهل، لأن الجاهل لا يهدم الجهل، وأن يكون معصوماً من الباطل لأن المبطل، لا يهدم الباطل، كما لا تدفع النجاسة بالنجاسة، وكما لا تدفع الظلمة بالظلمة، كذلك لا يدفع الفساد بالفساد، ولا يدفع الباطل بالباطل، وإنما يدفع بضده الذي هو الحق، لا يدفع الشىء إلا بضده، ولا تدفع الظلمة إلا بالنور، ولا يدفع الضلال إلا بالهدى، ولا يدفع الجور إلا بالعدل، ولا تدفع المعصية إلا بالطاعة، ولا يدفع الاختلاف إلا بالاتفاق، ولا يصح الاتفاق إلا باستناد الأمور إلى أولي الأمر، وهو الإمام المعصوم من الباطل والظلم " (١). ثم يعود ابن تومرت فيؤكد أهمية الإمامة كركن جوهري من أركان الدين، ووجوب اعتقادها والخضوع لها في قوله:

" والإمامة هي عمدة الدين وعموده على الإطلاق في سائر الأزمان، وهو دين السلف الصالح، والأمم السالفة إلى إبراهيم وما قبله، فاعتقادها دين، والعمل بها


(١) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٤٥ و ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>