للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دين، والتزامها دين، ومعناها الإتباع والاقتداء، والسمع والطاعة، والتسليم، وامتثال الأمر، واجتناب النهي، والأخذ بسنة الإمام في القليل والكثير " (١).

وإنه لا يمكن أن تكون ثمة تأكيدات أخطر من هذه وأشد فعلا، وأبعد أثراً في النفوس، لتأكيد الزعامة الدينية والسياسية، والانضواء تحت لوائها، والإذعان لسلطانها. وقد كان المهدي يخاطب بأسلوبه القوي المنذر، مجتمعاً يسوده الجهل، وتسيطر عليه الخرافة، فكانت أقواله وتعاليمه تنساب إلى هذا المجتمع الساذج، كقرآن جديد. كيف لا وهو يؤكد بأنه " لا يكذب بهذا، إلا كافر أو جاحد أو منافق أو زائغ أو مبتدع أو مارق أو فاجر أو فاسق، أو رذل أو نذل، لا يؤمن بالله واليوم الآخر " (٢).

- ٣ -

ثم إن هذه الإمامة المطلقة الواجبة الطاعة في كل زمان ومكان، لابد أن تتوج بصفة خاصة تؤكد من شرعيتها وتزيد في قدسيتها، وتجعلها أقرب إلى مراتب النبوة، وتلك هي صفة المهدي المنتظر. وهي أسطورة من أقدم الأساطير الدينية في الإسلام. ويرجعها البعض إلى عصر النبي ذاته. وهنالك طائفة من " الأحاديث " تشير إلى هذه الأسطورة. وهنالك أيضاً طائفة من الأقوال المأثورة تنسب لجماعة من أكابر الصحابة. ولكن هذه الأحاديث والأقوال، موضع كثير من الجدل والريب، وهي على الأغلب من خلق الشيعة الذين استغلوا هذه الأسطورة على كر العصور، واتخذوها سبيلا إلى تحقيق السلطان السياسي. وخلاصة هذه الأحاديث والأقوال، " إنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من آل البيت، يؤيد الدين ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويعيد مجد الإسلام ودولته، ويسمى بالمهدي " أو على حد عبارتهم المأثورة، وهي أن المهدي يخرج في آخر الزمان " فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ". وقد كان قيام الدولة الفاطمية الشيعية بإفريقية ثم بمصر، في أوائل القرن الرابع الهجري، أعظم وأروع استغلال لهذه الأسطورة. وهذا الثوب القدسي - ثوب المهدي المنتظر - هو الذي اعتزم محمد بن تومرت أن يتشح به، وأن يتوج به إمامته وسلطانه السياسي. ومن ثم فإنا نراه، بعد أن يحدثنا عن أهمية الإمامة. وكونها ركن الدين الركين، يعرض


(١) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٥٣ و ٢٥٤.
(٢) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>