لنا نظرية المهدي بقوة وحماسة. وهو يستهل كلامه بوصف مثير لأحوال العصر الذي تلا عصر النبوة والخلفاء الأربعة، وما ساد فيه من ضروب التفرق والهوى والفتن، وهو العصر الذي " يذهب فيه العلماء، ويظهر الجهال، ويذهب الصالحون، وتبقى الحثالة، ويذهب الأمناء وتبقى الخونة، وتذهب الأئمة، وتظهر المبتدعة، ويذهب الصادقون، ويظهر الدجالون، ويذهب أهل الحقائق، ويظهر أهل التبديل والتغيير والتلبيس والتدليس، حتى انعكست الأمور، وانقلبت الحقائق وعطلت الأحكام، وفسدت العلوم، وأهملت الأعمال، وماتت السنن، وذهب الحق، وارتفع العدل، وأظلمت الدنيا بالجهل والباطل، واسودت بالكفر والفسوق والعصيان، وتغيرت بالبدع والأهواء، وامتلأت بالجور والظلم والهرج والفتن ". ثم جاء المهدي في زمان الغربة، في الوقت الذي عكست فيه الأمور، وقلبت الحقائق، وبدّلت الأحكام " وخصصه الله بما أودع فيه من معاني الهداية، ووعده قلب الأمور عن عاداتها، وهدمها بهدم قواعدها، ونقلها إلى الحق بإذن الله، حتى تنتظم الأمور على سنن الهدى، وتستقيم على منهاج التقوى، وينهدم الباطل من قواعده، وتنهدم بانهدامه فروعه، ويثبت الحق من أصله، وتثبت بثبوته فروعه، ويظهر العلم من معادنه، ويشرق نوره في الدنيا بظهوره، حتى يملأها عدلا، كما ملئت قبله جوراً، بوعد ربه كما وعد، وبفضله كما سبق، هذا ما وعد الله للمهدي، وعد الحق الذي لا يخلفه "(١).
وهذا المهدي، الذي تستحيل على يده شئون العالم، من الفساد الشامل، والظلم المطبق، إلى الصلاح والعدل الشامل، " لا ند له في الورى " ولن يجد " من يعانده، ولا من ينازعه، ولا من يخالفه، ولا من يضاده "، ومن ثم فإن ابن تومرت يؤكد لأتباعه وأنصاره وجوب طاعة المهدي، والإيمان برسالته، والإذعان لمشيئته، والاستسلام لحكمه، وذلك بصورة مطلقة يعرضها لنا على النحو الآتي:
" فالعلم به واجب، والسمع والطاعة له واجب، واتباعه والاقتداء بأفعاله واجب، والإيمان به والتصديق به واجب على الكافة، والتسليم له واجب، والرضى بحكمه واجب، والانقياد لكل ما قضى واجب، والرجوع إلى علمه واجب، واتباع سبيله واجب، والاستمساك بأمره حتم، ورفع الأمور إليه بالكلية لازم ".