للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من يرتكبه، وفقاً لحديث تنسب روايته لابن عباس، ونصه: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، شملتهم اللعنة جميعاً " (١). على أنه من الإجحاف البيّن أن تُنعى هذه المسألة بالذات - مسألة اللثام - على المرابطين، وتعتبر في حقهم جرماً يستوجب اللعن. ذلك أنها ليست سوى مسألة تقليد قومي وقَبَلي لا شأن له بالدين. وقد قيلت في أصل اللثام وسببه أشياء كثيرة، منها ما سبق أن أشرنا إليه من قبل، وهو أن أهل لمتونة - وهي قبيلة المرابطين - كانوا يتخذون في أعراسهم نوعاً خاصاً من الحجاب، ومنها أنه حدث ذات مرة في بعض حروبهم أن نساءهم كن يقاتلن معهم محجبات، حتى يحسبن بذلك في عداد الرجال، ومنها أنهم كانوا يلجأون إلى اللثام تخفياً من طلبة ثأر الدم، وأخيراً أن اللثام كان من ضرورات الحماية من لفح العواصف والرمال والحر والبرد. وما تزال عادة اللثام قائمة حتى اليوم بين بعض قبائل موريتانيا والسودان وغيرها، ويقال إن الحكمة في ذلك هو أن الرجال الأشراف لا يكشفون عن أنفسهم. وأما عن سفور النساء، فقد قيل إنه لكي يظهر انحطاطهن عن الرجال (٢).

وأما حملة ابن تومرت على المرابطين بسبب ما أحدثوه من " المناكر والمغارم " فإن لها ما يبررها. وقد سبق أن أشرنا إلى ما كان يسود العاصمة المرابطية، (مراكش) وقواعد المغرب الأخرى، أيام المرابطين، من مظاهر الاستهتار والفساد، ومن ذلك ذيوع الخمر والقصف علناً في الأسواق، وغير ذلك من مظاهر الخروج على الدين. وهذا ما يردده المراكشي في قوله مشيراً إلى على بن يوسف: " وكان رجلا صالحاً، إلا أنه كان ضعيفاً مستضعفاً، ظهرت في آخر زمانه مناكر كثيرة، وفواحش شنيعة، من استيلاء النساء على الأحوال واستبدادهن بالأمور، وكان كل شرير أو قاطع طريق، ينتسب إلى امرأة قد جعلها ملجأ له، وزراً على ما تقدم " (٣). ومما هو جدير بالذكر أن أمثال هذه المناكر، لم تلبث أن ظهرت في دولة الموحدين، بعد ذهاب المهدي بفترة قصيرة. ومن ذلك أن


(١) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٦٤.
(٢) الإستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوي ج ١ ص ٩٨ و ٩٩، وكذلك العلامة جولدسيهر في مقاله: Materialien zur Kentniss der Almohaden Bewegung (Z. der Morg. Gesellsch. ١٨٨٧ p. ١٠١)
(٣) المعجب ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>