للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد المؤمن أول الخلفاء الموحدين، أبى علي ولده الأكبر محمد إتمام بيعته لولاية العهد، لأنه كان مدمناً لشرب الخمر، ولنقائص أخرى كانت تنسب إليه (١).

على أنه إذا كان المرابطون، أو كما ينعتهم ابن تومرت، طائفة المبطلين من الملثمين والمجسمين، كانوا يتصفون بما يرميهم به من العيوب والمثالب التي يستحقون من أجلها اللعنات، والتي تستوجب بغضهم ومعاداتهم ومجاهدتهم، فإن هناك طائفة أخرى بشر الرسول بظهورها، وهي التي تقاتل على الحق وتقاتل عنه، وتقوم به إلى آخر الزمان، وأن هذه الطائفة تقوم بأمر الله، لا يضرها من خذلها أو خالفها، وأنها ظاهرة على من عاداها إلى يوم القيامة، وأنها تقاتل على أمر الله وتقهر عدوها إلى قيام الساعة، وأنها تقاتل على الحق حتى تجتمع مع عيسى بن مريم، وحتى يقاتل آخرهم الدجال، وأن الله يفتح الدنيا كلها لأهل الغرب، وأخيراً أن هذه الطائفة ينصرها الله حتى تقوم الساعة. وبالرغم من أن ابن تومرت لا يقول لنا من هي هذه الطائفة بصريح العبارة، فإنه من الواضح أنه يعني بها طائفة الإمام المعصوم، والمهدي المعلوم، أو بالحري طائفته الخاصة، طائفة الموحدين، وهو يحاول هنا كعادته، أن يؤيد كل أقواله ونبوءاته بطائفة من الأحاديث (٢).

وقد سبق أن أشرنا إلى ما ذكره ابن تومرت، عند الحديث عن العقيدة، عن التوحيد ودلائل وجود الباري سبحانه. ويلاحظ العلامة جولدسيهر، أن ابن تومرت قد استعار عبارة " التوحيد "، ومعناها التعلق بفكرة الله وصفاته، من " المعتزلة "، فهم الذين يعطون إسم " التوحيد " في تعريفهم لفكرة الله، وهذا ما يوضحه لنا الشهرستاني في قوله عن المعتزلة: " واتفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار، ونفي التشبيه عنه من كل وجه، جهة ومكاناً وصورة وجسماً وتحيزاً وانتقالا وزوالا وتغيراً وتأثراً، وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها، وسموا هذا النمط " توحيداً " (٣).

ومن ثم فإن ابن تومرت، كان يُشَهِّر في ظل هذا التفسير لمعنى التوحيد،


(١) المعجب ص ١٣١.
(٢) كتاب محمد بن تومرت ص ٢٦٧ - ٢٧٠.
(٣) الشهرستاني في كتاب " الملل والنحل "، المنشور على هامش كتاب " الفصل " (القاهرة ١٣١٧ هـ) ص ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>