للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنهاجة بيعتهم للموحدين، وطالبوا عبد المؤمن بالافراج عمن كان معه من أسرى صنهاجة، فأجاب مطلبهم.

وسار الموحدون بعد ذلك حتى تازاجارت، وكان يدافع عنها حاكمها المرابطي يحيى بن ساقطرا، فاقتحموها، واستولوا على خيلها وغنائمها، واقتحموا من بعدها قلعة واوْما، وكان يدافع عنها يحيى بن سير، واستولوا عليها، ثم استمروا في سيرهم حتى آزروا، التي تقع في قلب منطقة فازاز على قيد نحو مائة كيلومتر من شمالي شرقي تادلا، فدخلوها ونزلوا بها. وبعث عبد المؤمن، بضعة فرق من جيشه لتخضع الأنحاء المجاورة فقامت بمهمتها، وعادت إلى آزور، وأرسل في نفس الوقت بعض الأشياخ إلى تينملل يحملون إليها أخبار الحملة، وليطمئنوا على أحوالها. ودخل أهل فازاز جميعاً في طاعة الموحدين (١).

وغادر عبد المؤمن والموحدون آزور شمالا نحو فاس التي تبعد عنها زهاء ستين كيلومتراً. وكان تاشفين قد وصل في تلك الأثناء في القوات المرابطية ومعه الربرتير إلى فاس. ويصف لنا صاحب البيان المغرب سير الجيشين على هذا النحو في قوله: " كان الموحدون يمشون في الجبال المانعة حيث الأرزاق الواسعة، وكان تاشفين ينزل البسائط بعساكره، فما يجد من البرابر من يداخله ولا من يستعين به، فيواصله، وذلك بسبب إدباره إلى أن استقر عبد المؤمن بالجبال المجاورة لجهة فاس المعروفة بكراندة، ونزل تاشفين بحصن بالموضع المذكور " (٢).

وهكذا عسكرت الجيوش المرابطية والموحدية، كل منها على مقربة من

فاس عاصمة المغرب القديمة، وكان ذلك حسبما يستخلص من أقوال البيذق، وابن عذارى، في أواخر سنة ٥٣٥ هـ (١١٤١ م). وكان الوقت شتاء، والشتاء قاسياً، والمطر ينهمر بشدة. والظاهر أن المرابطين لم يحتاطوا لقسوة الطقس فعصف بهم البرد، وأقاموا شهوراً دون حطب ولا فحم، حتى أنهم اضطروا لحرق أوتاد أخبيتهم، وخشب أبنيتهم، ومات كثير منهم من البرد. وفي أثناء ذلك خرجت القوات المرابطية من فاس ومكناسة، ومعها المؤن والميرة، تقصد إلى محلة المرابطين، ولكنها اختلفت أثناء الطريق واقتتلت، ففر البعض منها، وسار


(١) كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ٨٩ و ٩٠.
(٢) القسم الثالث من البيان المغرب (نسخة تامجروت) ص ١٢. وراجع أيضاً الحلل الموشية ص ٩٦ و ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>