لبثت المعارك التي تضطرم بين المرابطين والموحدين، منذ وفاة المهدي ابن تومرت زهاء عشرة أعوام، منحصرة في مناطق الأطلس، جنوبي مراكش، في وادي درعة وبلاد السوس، وفي بلاد حاحة من أحواز تينملل، وقد كان النصر حليف الموحدين في معظم هذه المعارك. بيد أن انحصار الصراع في هذا النطاق المحدود من الإمبراطورية المرابطية، لم تترتب عليه أية نتائج حاسمة، ومن ثم فقد كان لزاماً على الموحدين أن ينقلوا مسرح الصراع إلى قلب الإمبراطورية المرابطية، حتى يتاح لهم أن يضربوها في الصميم. وأن يقضوا عليها القضاء الأخير.
وهذا ما اعتزمه عبد المؤمن في الواقع، واستدعى من أجله سائر حشود الموحدين، من كل صوب وقبيل. وفي سنة ٥٣٥ هـ (١١٤٠) خرج من تينملل بعد أن استخلف عليها صهره أبا عمران موسى بن سليمان، في جيش ضخم، يضم مجموعة كبيرة من الفرسان والرجّالة، وسار في طرقات الجبل نحو الشمال الشرقي. ويفصل لنا البيذق، وقد كان من شهود هذه الحملة الكبيرة، خط سير الجيش الموحدي، فيقول لنا إن عبد المؤمن سار أولا إلى موضع يسمى وانزال، ثم إلى موضع يسمى وفاد، وسار من وفاد إلى أشبار، وهي محلة تقع على مقربة من جنوب شرقي مراكش. وفي تلك الأثناء خرج جيش المرابطين بقيادة تاشفين من مراكش، فغادر الموحدون أشبار إلى مكان قريب يقع في الشمال الشرقي، ويسمى تاساوت، ولحق المرابطون بأشبار. ثم غادر الموحدون تاساوت إلى دمنات الواقعة شرقي مراكش، على قيد نحو سبعين كيلومتراً منها، وسار المرابطون في نفس الوقت إلى يمللُّو الواقعة شمال شرقي دمنات. ولم تقع خلال ذلك معارك ذات شأن بين الفريقين، ولكن القبائل والعشائر الواقعة في طريق الموحدين، كانت تدخل في طاعتهم تباعاً، واستمر الموحدون في مسيرهم شمالا بشرق حتى واويزغت، ثم إلى داي الواقعة جنوب تادلا. ووقعت خلال ذلك بين الفريقين معركة محلية في موضع يقال له تيزي، انتهت حسبما يقول البيذق بهزيمة " الفئة الباغية " أي المرابطين. ولما وصل الموحدون إلى داي، فر حاكمها المرابطي على بن ساقطرا، واستولى عليها الموحدون دون مقاومة. وأعلن من كان بها من