للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعائمها في المغرب والأندلس، وفي أوائل عهده، وصلت الدولة المرابطية إلى ذروة قوتها وضخامتها، بيد أنه سرعان ما ظهرت حركة المهدي ابن تومرت حتى انقلبت الآية، وأخذ الانحلال يسري إلى ذلك الصرح الشامخ، وأخذت الدولة المرابطية، تسير سراعاً إلى قدرها المحتوم.

ومما يؤثر عن علي بن يوسف، أنه كان أول من استخدم النصارى في الجيش المرابطي. وقد بدأ في ذلك حينما وقع تغريب النصارى المعاهدين بالأندلس في سنة ٥٢١ هـ (١١٢٧ م)، حيث استخدم جماعة من الذين قضى بتغريبهم في حرسه الخاص، وكان ما أبداه أولئك الجند النصارى من الغيرة والإخلاص، مشجعاً له على التوسع في استخدامهم، واستقدامهم من شبه الجزيرة، ودعوة أنجادهم من الفرسان، وهكذا انتظمت في الجيش المرابطي فرقة أو فرق خاصة من المرتزقة النصارى. وفي أواخر عهد علي، عهد بقيادة هذه الفرق الأجنبية إلى الفارس القسطلاني الإبرتير أو الربرتير كما تقدم، وأخذت تقوم بدور هام في المعارك التي كانت تضطرم يومئذ بين المرابطين والموحدين. ويقول لنا صاحب البيان المغرب أن علياً كان يؤثر أولئك الجند النصارى، ويمكن لهم، وكانوا في ظل هذه الرعاية الخاصة يتعالون على المسلمين، ويفرضون عليهم المغارم. ولما اضطربت الأمور في أواخر عهد علي، أهمل الجند المسلمين، وعجز الأمير عن الإنفاق عليهم، حتى كان أكثرهم يكرون دوابهم (١).

ومما يذكره لنا ابن عذارى في هذا الصدد أيضاً، أن أمير المسلمين علياً، حينما رأى توالي فشل ولده تاشفين في محاربة الموحدين، ساءه ذلك، وعزم على إقالته، وأن يقدم مكانه ولده إسحاق، وكتب بالفعل إلى عامله على إشبيلية عمر، بالقدوم، ليجعله مدبر ولده، وكان ذلك في سنة ٥٣٦ هـ. بيد أنه يبدو أنه لم يجد متسعاً من الوقت لتحقيق هذا العزم، إذ توفي بعد ذلك بأشهر قلائل (٢).

وكان من الأحداث البارزة في أواخر عهد علي، السيل العظيم الذي وقع بطنجة، في سنة ٥٣٢ هـ، وقد اكتسح معظم دورها وصروحها، وهلك فيه عدد عظيم من الناس، والدواب (٣). ثم الحريق الكبير الذي وقع في العام التالي بسوق


(١) البيان المغرب، في الأوراق المخطوطة التي سبقت الإشارة إليها.
(٢) البيان المغرب (في الأوراق المخطوطة المشار إليها - هسبيرس ص ١٠٥).
(٣) البيان المغرب (الأوراق المخطوطة - هسبيرس ص ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>