وكانت دولة المرابطين في تلك الأعوام الأخيرة من حكم علي بن يوسف، قد اضطربت أحوالها واهتزت أسسها، وفقدت كثيراً من قواعدها وأراضيها، وسادت الفوضى في كل ناحية، وساءت الأحوال الاقتصادية من توالي الحرب، وعزت الأقوات والموارد، وارتفعت كلفة العيش، وعانى الناس مشقات وشدائد.
وما كاد علي بن يوسف يختفي من الميدان، حتى وقع ما هو أخطر، من تصدع الجبهة المرابطية وتفرق كلمتها. وذلك أن الخصومة قد اضطرمت بين قبيلتي لمتونة ومسّوفة وهما دعامتا العصبة المرابطية، وخرج عدة من زعماء مسّوفة على حكومة مراكش، ورأوا، أن يلوذوا بحماية الموحدين، فسار منهم يحيى ابن تاكفت، وبرّاز بن محمد، ويحيى بن إسحاق المعروف بأنجمار. حاكم تلمسان السابق، في صحبهم وأتباعهم، إلى محلة الموحدين، وقدموا طاعتهم إلى عبد المؤمن، وكانت هذه ضربة جديدة لتاشفين بن علي، فاشتد الاضطراب في الجبهة المرابطية، ووغرت صدور اللمتونيين على مسوفة، وأخذ يتربص بعضهم ببعض، ويقتل بعضهم بعضاً.
وكان ممن انشق على تاشفين في تلك الفترة، بني ومانّو من بطون زناتة، وقدّم أشياخهم طاعتهم إلى عبد المؤمن، فبعثهم مع بعض قواته إلى بلادهم، فأعلنوا طاعتهم جميعاً للموحدين. ولما علم تاشفين بخروج بني ومانّو، وجه إليهم عسكراً على رأسه الرّبرتير، فسارع الموحدون إلى إنجادهم، وتحصن بني ومانّو ببعض التلال، فصعد إليهم المرابطون، يحاولون اقتحام مراكزهم، ولكنهم ردوا المرابطين على أعقابهم. وعلى أثر ذلك سار جيش موحدي بقيادة ابن وانودين، وابن زجّو، وابن يومور، إلى بلاد بني عبد الواد وبني يلومي وهم من أنصار المرابطين، وعاث في تلك المنطقة، واستاق كثيراً من الغنائم، ولكن فاجأته حين العودة قوة من المرابطين من زناتة واستولت على معسكر الغنائم، وقتلت كل حراسه وهم من بني ومانّو وعددهم ستمائة رجل، وتحصن الموحدون بجبل هنالك، وسار عسكر المرابطين إلى موضع يسمى منداس بلد بني يلومي من بطون زناتة، فاجتمع إليه بني يلومي، وعدة أخرى من البطون. ولما علم عبد المؤمن بما حدث، سار بقواته من أحواز تلمسان إلى أرض يلومي، وكان الأمير تاشفين قد قدم في نفس الوقت إلى تلمسان، وحشد فيها