للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عسكراً، وأرسله على عجل إلى محلة المرابطين في منداس، وكذلك انضم إليهم الرّبرتير في قواته، واجتمعت بذلك للمرابطين حشود ضخمة. فلما شعر عبد المؤمن بتفوق خصومه، لجأ إلى خطة حربية جديدة مبتكرة، هي خطة المربع الموحدي الذي اشتهر فيما بعد، وأضحى عماد خطط الدفاع الموحدية في الميدان المكشوف، وقد وصف لنا ابن اليسع خلاصة هذه الخطة، نقلا عن بعض الموحدين فيما يلي:

" أن تُصنع دارة مربعة في البسيط يجعل فيها من جهاتها الأربع صف من الرجال بأيديهم القنا الطوال، والطوارق المانعة، ومن ورائهم أصحاب الدروق والحراب صفاً ثانياً، ومن ورائهم أصحاب المخالي فيها الحجارة صفاً ثالثاً، ومن وراء هؤلاء الرماة صفاً رابعاً. وفي وسط المربعة، ترابط قوى الفرسان ". يقول ابن اليسع " فكانت خيل المرابطين إذا دفعت إليهم، إلى الموحدين، لا تجد إلا الرماح الطوال الشارعة، والحراب والحجارة والسهام ياسرة. فحين ماتوا من الدفع وتدبر، وأخرج خيل الموحدين من طرق تركوها، وفرج أعدوها، فتصيب من أصابت، فإذا كرت عليهم دخلوا في غاب القنا " (١).

وهكذا فإنه حينما نشب القتال بين المرابطين والموحدين في منداس، ظهرت آثار الخطة الدفاعية الموحدية واضحة في عجز المرابطين على تفوقهم في العدد والعدة، عن النيل من خصومهم. وبالعكس فقد أثخن الموحدون في خصومهم، وردوهم الكرة بعد الكرة بخسائر فادحة، واستمر القتال على أشده ثلاثة أيام.

وفي اليوم الرابع أحرز الموحدون على خصومهم. نصراً باهراَّ، واحتووا على محلتهم، ومحلات حلفائهم من بني يلومي وغيرهم، واستولوا على غنائم فادحة، تقدرها الرواية بثلاثين ألفاً من الغنم، واثني عشر ألفاً من البقر. بيد أنه حينما ارتد عبد المؤمن بغنائمه صوب الصخرتين من أحواز تلمسان، اعترضه الربرتير في قواته، وهاجمه بشدة واسترد معظم الغنائم، وقتل من كومية قبيلة عبد المؤمن نحو أربعمائة رجل. ثم سار في قواته وغنائمه إلى تلمسان، فانضم هناك إلى قوات الأمير تاشفين (٢).

وفي خلال ذلك الصراع المرير الذي استغرق قوى المرابطين، وصل إلى


(١) الحلل الموشية ص ٩٨.
(٢) البيان المغرب (القسم الثالث نسخة تامجروت) (تطوان ١٩٦٣) ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>