للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأى ذلك ودع أصحابه ليلا، واقتحم والنار محتدمة بباب الحصن، فوُجد من الغد ميتاً لا أثر فيه لضربة ولا طعنة، ويقال إن فرسه صرعه. وتتفق هذه الرواية مع الروايات الأخرى في أن مصرع تاشفين وقع في ليلة سبع وعشرين من شهر رمضان سنة ٥٣٩ هـ (١).

وأورد لنا المراكشي رواية ثالثة خلاصتها أن تاشفين لما ذهب إلى تلمسان لم يرضه موقف أهلها، فغادرها إلى وهران، فحاصره الموحدون بها، فلما اشتد عليه الحصار، خرج راكباً فرساً شهباء وعليه سلاحه، فاقتحم البحر حتى هلك، ويقال إنهم أخرجوه من البحر وصلبوه ثم أحرقوه (٢).

هذا ويصف لنا ابن الخطيب مصرع تاشفين بن علي في تلك العبارات الشعرية: " واستقبل تاشفين مدافعة جيش أمير الموحدين، أبى محمد عبد المؤمن بن علي خليفة مهديهم، ومقاومة أمر قضى الله ظهوره، والدفاع عن ملك بلغ مداه وتمت أيامه، كتاب الله عليه، فالتأث سعده، وفل جده ولم تقم له قائمة، إلى أن هزم، وتبدد عسكره، ولجأ إلى وهران، فأحاط به الجيش، وأخذه الحصار، قالوا فكان في تدبيره أن يلحق ببعض السواحل، وقد تقدم به وصول ابن ميمون قائد أسطوله لرفعه إلى الأندلس، فخرج ليلا في نفر من خاصته فرقهم الليل، وأضلهم الروع، وبددتهم الأوعار، فمنهم من قتل، ومنهم من لحق بالقطائع البحرية، وتردى بتاشفين فرسه من بعض الحافات، ووجد ميتاً في الغد، وذلك ليلة سبع وعشرين لرمضان سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وصلبه الموحدون، واستولوا على الأمر بعده، والبقاء لله تعالى " (٣).

وعلى أثر مصرع تاشفين، اقتحم الشيخ أبو حفص بقواته وهران، وأثخن في المرابطين حتى فنى معظهم، والتجأت منهم جماعة إلى الحصن، فحاصرهم الموحدون وقطعوا عنهم الماء حتى أذعنوا إلى التسليم بعد ثلاثة أيام. ومع ذلك فقد قتلهم الموحدون جميعاً كباراً وصغاراً، وكان ذلك في يوم عيد الفطر من سنة ٥٣٩ هـ. وكانت مذابح وهران هذه، من أفظع المظاهر التي تميزت بها سياسة الموحدين الدموية.


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ١٩٧ و ١٩٨.
(٢) المعجب ص ١١٢ و ١١٣.
(٣) الإحاطة في أخبار غرناطة (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ٤٦١ و ٤٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>