للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما وصل خبر مصرع تاشفين إلى تلمسان، مع فلّ لمتونة، أسرع من كان بها وبضاحيتها القريبة تاجررت من لمتونة، فغادروها هائمين على وجوههم يقصدون إلى فاس وغيرها من الأماكن التي مازالت تحت حكم المرابطين. وكان في مقدمة من غادرها الأمير يحيى بن أبى بكر بن علي المعروف بالصحراوي وهو ابن أخى تاشفين، وكان قد وفد إليها قبل ذلك بقليل في بعض قواته لإنجاد تاشفين. فلما وقعت الكارثة أسرع في فلوله إلى فاس، وامتنع بها، وأخذ ينظم الدفاع عنها. ولم يبق بتلمسان سوى العامة وأهل الحضر، وبادر جماعة من أعيانها في نحو ستين رجلا إلى لقاء عبد المؤمن يلتمسون منه الأمان، فلقيهم يصلاتن (يصلاصن) الزناتي في قوة من الموحدين في وادي تافنا القريب، فقتلهم عن آخرهم، وطار نبأ مصرعهم إلى تلمسان. فسرى إلى أهلها الرعب والروع، وسادت بها الفوضى.

ودخل عبد المؤمن وجنده الموحدون تاجررت في غداة عيد الفطر، فقتلوا أهلها، واقتسموا دورها. ثم غادروها إلى تلمسان. وكان يسودها الوجوم والفزع. فلما اقترب الموحدون منها خرج الأعيان والطلبة، يسعون إلى لقاء عبد المؤمن والتماس العفو منه، فأقبل يصلاتن وجنده وجردوهم من ثيابهم، وقتلوا جماعة منهم، تحت نظر الخليفة، والشيخ أبى إبراهيم أحد الصحب العشرة، ثم دخل عبد المؤمن المدينة، وقتل الموحدون كثيراً من أهلها (١). ويؤيد هذه الرواية ويعززها صاحب الحلل الموشية. فيقول لنا إن عبد المؤمن دخل تلمسان عنوة وقتل أهلها وسبى حريمها، ودخل كل واحد من الموحدين من الموضع الذي يليه، فأخذوا منها من الأموال ما لا يحصى، وقد بلغ فيها عدد القتلى، وفقاً لابن اليسع مائة ألف أو تزيد.

وفي رواية أخرى أن عبد المؤمن استباح أهل تاجررت وقتلهم لما كان معظمهم من حشم اللمتونيين، وعفا عن أهل تلمسان. وفي رواية ثالثة أن عبد المؤمن لم يدخل تلمسان فوراً، ولكنها امتنعت عليه، واضطر إلى محاصرتها، وأنه لبث وقتاً على حصارها، وأخبار الفتوح والبيعات ترد عليه، وأنه ترك على حصارها إبراهيم بن جامع وغادرها إلى فاس (٢). بيد أنه يبدو أن الرواية


(١) البيان المغرب، القسم الثالث ص ١٨، والحلل الموشية ص ١٠١.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>