للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطويلة التي استمرت منذ قيام محمد بن تومرت المهدي، زهاء عشرين عاماً،

وتوالى الهزائم على الجيوش المرابطية، معركة بعد أخرى، وتمزق صفوفها، وفناء عديدها، وهبوط روحها المعنوي، من جراء هذا الإدبار المستمر - كان ذلك كله مما يؤذن بأنه مهما كانت المقاومة المريرة اليائسة، التي يمكن أن تبذل في المرحلة الأخيرة، من ذلك الصراع الرهيب، فإنها لن تغني شيئاً، ولن تحول دون وقوع الكارثة المرتقبة، التي أخذت طوالعها تبدو قوية في الأفق، ولاسيما بعد مصرع الأمير تاشفين بن علي، وتبدد جيوشه الضخمة على هذا النحو الشامل.

والواقع أن الدولة المرابطية لم تعد بعد هذه الضربة القاضية، سوى شبح هزيل. ففي مراكش، كان يمثل الفصل الأخير من مأساة الدولة المحتضرة، وذلك حينما بويع في مراكش، على أثر مصرع تاشفين، لولده الأمير أبى إسحاق إبراهيم، وكان أبوه قد ولاه ولاية عهده، منذ وفوده عليه في تلمسان في أواخر سنة ٥٣٨ هـ حسبما تقدم، ثم وجهه إلى مراكش، وذلك قبيل وفاته بنحو شهر.

على أن هذه البيعة التي تمت في أدق الظروف التي كانت تواجهها الدولة المرابطية، لم تقع دون خلاف. فإن إسحاق بن علي عم الأمير إبراهيم، خرج عليه ودعا لنفسه بالإمارة، ووقع الجدل والتطاحن بين الفريقين داخل العاصمة المرابطية، وكان الموحدون في ذلك الوقت نفسه يقتربون من فاس، والوفود والحشود، تترى من كل صوب على عاهلهم عبد المؤمن، فتزيد جموعه، وتعزز قواه، ويصف لنا البيذق، مؤرخ الحملة ومرافقها، مسير عبد المؤمن، فيقول لنا إنه نزل على وجدات (وجدة) فأخذها، ووحد أهلها (١). هذا في حين أن صاحب البيان المغرب يذكر لنا أن الموحدين استولوا على وجدة قبل ذلك بعامين (٥٣٨ هـ) (٢). وسار عبد المؤمن بعد ذلك إلى أجرسيف، وهي تقع في منتصف المسافة بين تلمسان وفاس، فنزل عليها، ولقي الموحدون بعض المقاومة من بعض زعماء تلك الناحية، فجرد عليهم عبد المؤمن بعض قواته، فمزقت جموعهم وقتلتهم، ودخل أجرسيف، ثم غادرها إلى فاس، ونزل بالمقرمدة التي تقع على مقربة من جنوب شرقي فاس، وكان يحيى بن أبي بكر الصحراوي، قد قدم


(١) أخبار المهدي ابن تومرت ص ٩٨.
(٢) البيان المغرب في الأوراق المخطوطة السالفة الذكر (هسبيرس ص ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>