إليها في جموعه من تلمسان كما تقدم، وأخذ ينظم خطط الدفاع عنها. وكان عبد المؤمن يتوق إلى الوقوف على مدى استعداد المدينة للدفاع، ومبلغ القوى المدافعة عنها. ذلك أنه بالرغم من وفرة جموعه التي تتألف حسبما تقول الرواية، من ثمانين ساقة على عدد القبائل والوفود، كان يريد التحوط للمفاجآت، ويرمي إلى الاستيلاء على فاس، بأقل التضحيات الممكنة. فبعث ألفاً من المشاة نصفهم من صنهاجة، والنصف الآخر من هسكورة، بقيادة أبي بكر بن الجبر، فعبر بهم نهر سَبو، وصعد إلى جبل زالاغ الذي يشرف على فاس من الشمال، وأوقد الموحدون النيران ليلا فوق الجبل، فلما رأى أهل فاس نيران الموحدين على مقربة من مدينتهم، اضطربوا وماجوا، وخرج الصحراوي في قواته لقتال الموحدين، وفي صباح الغد نشب القتال بين الفريقين، وقدر الموحدون قوة أعدائهم بنحو ألف وخمسمائة، ما بين لمتونة وأهل فاس، وفي العصر ارتد الصحراوي بقواته إلى داخل المدينة.
وفي الليلة التالية، عاد الموحدون إلى إيقاد النيران، ولكن الصحراوي لم يخرج إلى القتال في تلك المرة. وفي صباح اليوم التالي، سار عبد المؤمن في قواته إلى وادي نهر سبو، ونزل في موضع يسمى " عقبة البقر " فملأت حشوده السهل الوعر، هذا والصحراوي وأهل فاس، يشهدون هذه الجموع الجرارة من فوق الأسوار، فيملأهم منظرها رهبة وروعاً. وفي اليوم التالي، تحرك عبد المؤمن في قسم منتخب من جيشه، إلى موضع يعرف " بمنزل الحاج " وخرج الصحراوي في خيله إلى جبل العرض، الواقع في شمال غربي المدينة، يفصله عن الموحدين واد يسمى " بسد رواغ ". ولم يقع في ذلك اليوم قتال بين الفريقين. وارتد الموحدون إلى السهل الشاسع، وبقي عبد المؤمن في " منزل الحاج " على قدم الأهبة، في ثلاثة آلاف وخمسمائة من رجاله. وارتد الصحراوي بخيله ثانية إلى المدينة.
وفي صباح اليوم التالي، غادر عبد المؤمن في قواته السهل، واحتل جبل العرض، مشرفاً منه على المدينة. وقطع الموحدون الأشجار، وعملوا منها حول محلتهم حاجزاً من الخشب، ثم بنوا حائطاً من وراء الحاجز حماية لأنفسهم، ولدوابهم، واستعدوا لحصار طويل. وبعث عبد المؤمن قسماً من جيشه لمحاصرة مكناسة، الواقعة على قيد ستين كيلومتراً غربي فاس، وكان في مكناسة نحو