للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة آلاف فارس من قوى لمتونة من الحشم والروم وغيرهم، هذا عدا من انضم إليهم من رجال القبائل القريبة الموالية. فخرجت هذه القوة من مكناسة بقيادة يدِّر بن ولجوط اللمتوني واستطاعت أن ترد الموحدين، وأن تثخن فيهم، وتفنى معظمهم، فعول عبد المؤمن عندئذ أن يسير بنفسه إلى مكناسة، وخرج ليلا في قسم منتخب من جيشه، وعهد بحصار فاس إلى أبى بكر بن الجبر، وأبى إبراهيم، وأبى حفص عمر بن يحيى الهنتاني. ولما وصل إلى مكناسة، ضرب حولها الحصار المرهق، ولبث ينتظر الحوادث.

واستمر حصار الموحدين لفاس زهاء سبعة أشهر أو تسعة حسبما يروي البيذق (١)، وفي داخلها يحيى بن أبى بكر بن علي الصحراوي في قواته، ومعه أهل فاس صامدون وراء الأسوار، يخرجون إلى قتال الموحدين من آن لآخر، ثم يعتصمون بمدينتهم. وأخيراً لجأ الموحدون إلى عملية استراتيجية بارعة. ذلك أنهم قطعوا مجرى النهر الذي يدخل إلى المدينة، وأقاموا عليه سداً منيعاً من الحطب والخشب والتراب، فسالت مياه النهر في الوادي، وتعالت حتى صارت بحراً تتلاطم أمواجه، وانهارت بعض أقسام السور من ضغط الماء المتزايد، وسقط معها باب السلسلة (٢). فبادر الصحراوي وجموعه إلى إصلاح ما تهدم من السور، واجتمع المدافعون فوق الأسوار، ونشبت بينهم وبين الموحدين معارك عديدة.

وقد كان حرياً أن يطول حصار فاس، لولا أن عجل بنهايته ما حدث داخل المدينة ذاتها. ذلك أنه حدث بين يحيى بن علي، وبين أبى محمد عبد الله بن خيّار الجياني المشرف على المدينة، خلاف من جراء اشتداد يحيى في مطالبة الجياني بالأموال، بطريقة أرهقته، وحملته على أن يتصل سراً بقائد الموحدين أبى بكر ابن الجبر، وأن يعده بفتح أبواب المدينة، وكانت لديه مفاتيحها. وساعدت الظروف الجياني على تحقيق مشروعه. ذلك أن يحيى الصحراوي، أعرس بامرأة من قومه. فبعث إليه الجياني بهدايا جليلة من الطعام والشراب، وشغل الصحراوي في تلك الليلة بعرسه وطعامه وشرابه (٣). وفي صباح اليوم التالي، أوفى الجياني


(١) أخبار المهدي ابن تومرت سنة ١٠٢.
(٢) روض القرطاس ص ١٢٣.
(٣) الحلة السيراء في القسم الذي نشره المستشرق ميللر، ضمن مجموعة بعنوان: ( Beitrage zur Geschichte des Westlichen Araber) ص ٣١٥ - ٣١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>