للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانه وتبعه الموحدون إلا أبا الحسن، والشيخ أبا حفص، فاقتاد أبو الحسن الأمير إبراهيم وقتله، ثم جذبوا طلحة، وصيفه ليقتلوه، فلما اقترب من أبى الحسن، استل خنجراً كان يحتفظ به، وطعن أبا الحسن فقتله، وقتله الموحدون على الأثر، ويضيف البيذق إلى ذلك أن أبا الحسن كان قد أوثق زهاء ألف رجل من أبناء دُكّالة ليقتلهم، فلما قُتل أطلق سراحهم، وعفى عنهم (١).

وهكذا زهق أبو إسحاق إبراهيم بن تاشفين بن علي بن يوسف بن تاشفين، صبياً في السادسة عشر من عمره، بعد أن حكم حكمه الإسمي المنكود مدى عامين، وزهق ضحية بريئة للحوادث، دون أن يضطلع منها بشىء، أو يعقد أو يحل منها أمراً ذا خطر، وقد كان حرياً برجل عظيم مثل عبد المؤمن أن يحقن دم هذا الأمير الصغير، لو أنه استعمل الصرامة والحزم مع أولئك الأتباع الظمئين إلى الدماء. وبموت إبراهيم اختتم ثبت ملوك لمتونة، وانهار عرش بني يوسف ابن تاشفين، بعد أن لبث منذ تأسيس مراكش في سنة ٤٦٢ هـ، ثمانين عاماً، ترفرف أعلامه الظافرة على أنحاء المغرب، وخمسين عاماً ترفرف فوق جنبات الدولة المرابطية الكبرى بالمغرب والأندلس.

ويصف لنا البيذق بعد ذلك مصير أبى بكر بن تيزميت خادم علي بن يوسف، وكيف أمر الخليفة بقتله، لأنه هو الذي قبض على المهدي أيام وجوده بمراكش وحمله إلى السجن، وكيف غرر أبو بكر بالموحدين، وزعم أن لديه بمنزله آنية ملأى بالذهب، يريد أن يسلمها للموحدين، فبعث معه الخليفة باثني عشر رجلا ليتسلموا الذهب فأغلق الدار عليهم وقتلهم، وهم يشتغلون بالحفر بحثاً عن الآنية المزعومة، فأخذ إلى الخليفة وأمر به فقتل (٢).

وكان عبد المؤمن قد دخل مراكش على أثر افتتاحها، ثم عاد منها في الحال إلى محلته، ورتب الأمناء على أبوابها. وبقيت مراكش بعد ذلك ثلاثة أيام لا يدخلها ولا يخرج منها أحد. ذلك أن الموحدين، كانوا يرون، في غلوائهم الدينية، أن مراكش هي مدينة المجسمين وأهل اللثام، الذين لعنهم المهدي، وأفتى بشركهم وتكفيرهم، فهي إذن مدينة نجسة، لا تصلح لنزول الموحدين الأطهار. وقال أشياخ الموحدين فوق ذلك إن المهدي امتنع عن سكنى مراكش،


(١) أخبار المهدي ابن تومرت سنة ١٠٤، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٤.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>