للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يكتف الموحدون، بما أوقعوا من الفتك الذريع بالمرابطين وأهل المدينة، ولكنهم أعلنوا استباحة مراكش فيما يصفه ابن الخطيب " بالمحنة العظمى ". وذلك أنهم قرروا استباحة دماء كل من اشتملت عليه من الذكور البالغين. واستمر ْبها القتل الذريع ثلاثة أيام أخرى، ولم ينج من أهلها إلا من استطاع الاختفاء في سرب أو غيره. وطورد اللمتونيون بالأخص أشد مطاردة، واستئصلوا أينما وجدوا. ثم أعلن عبد المؤمن بعد ذلك عفوه عن أهل المدينة المفتوحة. قال ابن الخطيب " فظهر من جميع الخلق بها، ما يناهز السبعين رجلا، وبيعوا بيع أسارى المشركين، هم وذراريهم، وعفي عنهم " (١). وقال صاحب البيان المغرب، إن مراكش أبيحت لقتل من وجد فيها من اللمتونيين مدى ثلاثة أيام، ثم عفا عنهم عبد المؤمن، واشتراهم من الموحدين، وأعتقهم وأطلقهم.

واستولى عبد المؤمن على ذخائر تاشفين وجميع أمراء لمتونة، مما لا يحيط به حصر ولا وصف ولا بيان.

ولم يكن مصير الأمير الصبي إبراهيم آخر ملوك الدولة المرابطية، وزملائه من أشياخ لمتونة، بأقل روعة. ذلك أنهم اقتيدوا حسبما قدمنا، إلى قبة عبد المؤمن فوق تل إيجليز. وكان إبراهيم قد قبض عليه مع الآخرين في القصبة. وقيل إنه وجد مختفياً في إحدى غرف القصر في كومة من الفحم (٢). فلما أخذ إلى عبد المؤمن، أشفق عليه ورثا لمحنته وصغر سنه، ومال إلى العفو عنه والإبقاء عليه. ويقص علينا البيذق وهو شاهد عيان، أن الأمير الفتى كان يتضرع إلى عبد المؤمن، ويقول له يا أمير المؤمنين ما لي في الرأي شىء، فيقول له وصيفه طلحة " أصمت عنا، هل رأيت ملكاً يتضرع لملك مثله ". وفي رواية أخرى أن سير بن الحاج أحد أشياخ المرابطين، لما رأى تضرع إبراهيم لعبد المؤمن، تفل في وجهه وقال له " أترغب إلى أبيك ومشفق عليك، اصبر صبر الرجال ". وعلى أي حال فقد تأثر عبد المؤمن لضراعة الأمير الفتى، وقال لأبى الحسن بن واجّاج (وهو من أهل خمسين)، وكان قد قتل بيده عدة من أمراء وأشياخ لمتونة عقب إحضارهم إلى تل إيجليز " أترك هؤلاء الصبيان، ما الذي تعمل بهم "، فصاح به أبو الحسن " ارتد علينا عبد المؤمن، يريد أن يربي علينا فراخ السبوعة "، فغضب الخليفة، وغادر


(١) الإحاطة في أخبار غرناطة (١٩٥٦) ج ١ ص ١٩٢.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>