للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجر " وهي قلعة منيعة، فاستمر القتال حتى الزوال، وكثر القتل في المدافعين وأهل المدينة، واقتحم الموحدون القصبة، وقبضوا على الأمير إبراهيم ومن معه من الأمراء والكبراء، والأهل والولد، وأخذوهم إلى محلة عبد المؤمن، فوق تل إيجليز، لتقرير مصيرهم (١).

وهكذا اقتحم الموحدون مراكش، ودخلوها بالسيف على النحو الذي تصفه لنا الرواية المعاصرة، ويضيف مؤرخ معاصر آخر هو ابن الأشيري إلى ذلك قوله، إن أهل مراكش بعد هزيمة باب دكالة، أيقنوا بالهلاك، وأن المحلة الموحدية انتقلت إلى دار الفتح وسط البحيرة (أي البستان)، في صدر شوال سنة ٥٤١ هـ، فلم تزل هناك، وأمر المدينة في كل يوم يزداد ضعفاً، وأحوالها ترق، إلى أن كان يوم السبت السابع عشر من شوال، ففتحت مراكش ودخلها الموحدون (٢).

بيد أن ابن خلدون يقدم إلينا رواية أخرى خلاصتها، أنه لما أجهد الحصار أهل مراكش، وفتك بهم الجوع، برزوا إلى قتال الموحدين، فوقعت عليهم الهزيمة، وتتبعهم الموحدون بالقتل، واقتحموا عليهم المدينة. ومعنى ذلك أن مراكش سقطت على أثر معركة، نشبت خارج الأسوار، بين المرابطين والموحدين (٣).

ويبدو من مختلف التفاصيل، أن مراكش لم تسقط في أيدي الموحدين إلا بعد دفاع مرير، بذل فيه المرابطون وأهل المدينة جهوداً رائعة، بالرغم مما كان يحيط بهم من الظروف الأليمة، وقتل فيه من المرابطين والمدنيين، حسبما يقول لنا ابن اليسع نيف وسبعون ألف رجل (٤). ومن المواقف الرائعة الجديرة بالإعجاب، ما قصه علينا البيذق من أن فانّو بنت عمر بن يينتان، وهي فتاة بارعة الحسن، وافرة الجرأة، كانت تقاتل الموحدين أمام القصر (القصبة) في ثياب فارس.

وكان الموحدون، حسبما يقص علينا البيذق يتعجبون من قتالها، ومن شدة ما أعطاها الله من الشجاعة، ولم يعرفها الموحدون حتى قتلت وتبين أنها امرأة في ثياب رجل (٥).


(١) كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٣، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٣٣، والحلل الموشية ص ١٠٣ و ١٠٤. وراجع خريطة مراكش السابق نشرها في ص ١٨٧.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٣ و ٢٤.
(٣) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٢.
(٤) الحلل الموشية ص ١٠٤.
(٥) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>