واستطال حصار مراكش أكثر من تسعة أشهر، وشدد الموحدون في تطويق المدينة، وقطع علائقها مع الخارج، حتى أضحى من المتعذر، أن يدخلها داخل أو يخرج منها خارج. كل ذلك والمدينة صامدة في وجوه المحاصرين. والظاهر أن الموحدين لم يقوموا خلال تلك الفترة بهجمات شديدة على المدينة، وأنهم كانوا يكتفون بالمحاولات الجزئية. والظاهر أيضاً أنه لم تنجح كذلك، أية محاولة من هذه المحاولات، في اقتحام أية ناحية من المدينة، أو ثلم أية ناحية من الأسوار.
وفي خلال ذلك كان أهل المدينة يعانون ويلات الحصار، وتنضب الموارد والمؤن تباعاً، حتى نفدت الحبوب والمواد الغذائية، وفنيت الدواب، وخلت المخازن السلطانية من مخزونها، وتساقطت الألوف العديدة من الجوع. وتقدر الرواية عدد من هلك جوعاً من أهل مراكش في تلك المحنة بنيف ومائة وعشرين ألفاً، وعجز الجند عن الحركة والدفاع، وأضحت النهاية المحتومة على الأبواب. ولما شعر عبد المؤمن بأن الضيق بلغ ذروته بالمحصورين، وأن المدينة أصبحت عاجزة عن كل دفاع، اعتزم أن يضرب الضربة الأخيرة. وكان قد مضى على الحصار عندئذ تسعة أشهر وثمانية عشر يوماً. وتختلف الرواية فيما اقترن بتلك الخطوة الأخيرة. ويقول لنا البيذق وهو من شهود الحصار، إن الخليفة أمر باستعمال السلالم لصعود الأسوار، وقسمها على القبائل، وأن الموحدين دخلوا المدينة على أثر ذلك. بيد أن صاحب الحلل الموشية يقدم لنا عن ابن اليسع الذي عاش قريباً من العصر، رواية أخرى مفادها أن جيش الروم أو النصارى المرتزقة الذين كانوا داخل المدينة، اتصلوا بعبد المؤمن واستأمنوه، فمنحهم الأمان، واتفقوا معه على أن يُدخلوه المدينة من " باب أغمات " الواقع في جنوبها الشرقي، وعندئذ أمر عبد المؤمن بعمل السلالم. وفي يوم السبت الثامن عشر من شوال سنة ٥٤١ هـ (٢٤ مارس ١١٤٧ م) دفع الموحدون السلالم إلى الأسوار، وخُصت القبائل كل قبيلة بباب معين، وأقبل أهل مراكش يبذلون آخر محاولة للدفاع. وكانت بالطبع محاولة يائسة. فاقتحم الموحدون المدينة، ودخلوها من كل صوب، فدخلت هنتانة، وأهل تينملل من باب دُكّالة، في شمالها الغربي، ودخلت صنهاجة وعبيد المخزن من باب الدباغين في شرقها، ودخلت هسكورة مع القبائل الأخرى من باب يينتان. ولم يأت الظهر حتى استولى الموحدون على مراكش. ولجأ الأمير إبراهيم ابن تاشفين وجماعة من الخاصة والأعيان، إلى القصبة الداخلية المعروفة " بقصر