للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستمر زهاء سبعة أعوام يثخن في أنحاء المغرب، من الجنوب إلى الشمال، ثم إلى الشرق ثم إلى الجنوب، ويوقع بالجيوش المرابطية مرة بعد أخرى، ويستولي تباعاً على قواعد المغرب - اختتمت تلك الغزوة الكبرى باستيلاء الموحدين على حضرة مراكش، والقضاء على الدولة المرابطية في المغرب.

على أن تحقيق هذه الغاية الجوهرية، لم يكن نهاية الصراع الذي كان على الموحدين أن يضطلعوا به، لتوطيد دولتهم، والقضاء بصورة نهائية، على كل مقاومة لدعوتهم الدينية، وسلطانهم السياسي، وذلك أولا في المغرب، حيث قامت دعوتهم، وانتظمت دولتهم.

ثم كان عليهم بعد ذلك، أن يتابعوا فتوحهم، فيما وراء البحر، في الأندلس حيث كانت الدولة المرابطية، مازالت تحتفظ ببقية سلطانها، في شبه الجزيرة، وفي بعض قواعد الأندلس، وتحتفظ في نفس الوقت ببقية من قواتها العسكرية، ونفر من أكابر قادتها وزعمائها.

وفي الوقت الذي لاح فيه أن الموحدين، بفتح مراكش، قد وصلوا إلى ذروة سلطانهم، اضطرمت أول ثورة خطيرة ضد دعوتهم الدينية وسلطانهم السياسي، وكان ذلك في بلاد جزولة، غربي بلاد السوس، حيث قام ثائر يدعى محمد بن عبد الله بن هود وتسمى بالهادي. وأصل هذا الرجل من سلا، وكان قصّاراً، فلما ذاعت الدعوة الموحدية، واستولى الموحدون على سلا، ادعى الهداية، وسمى نفسه بالهادي، ثم سار جنوباً إلى أرض جزولة ونزل برباط ماسة، وذلك في شوال سنة ٥٤١ هـ، ومن ثم اشتهر كذلك باسم الماسي (١)، فتبعه كثير من الناس من مختلف القبائل، وذاعت دعوته بسرعة مدهشة، وسرعان ما استولى على بلاد تامسنا، وبلاد المصامدة، وانضمت إليه عدة من القبائل التي كانت تدين بالتوحيد مثل حاحة، ورجراجة، وهزميرة وهسكورة ودكالة، وخلعت معظم القواعد التي توحدت الطاعة، حتى لم يبق تحت سلطان عبد المؤمن وطاعته، في وسط المغرب وجنوبه، سوى فاس ومراكش. وكان استفحال الثورة، واتساع نطاقها على هذا النحو، دليلا على أن الدعوة الموحدية، لم تكن قد تمكنت بعد في نفوس معتنقيها، وأنهم لم يدينوا بها إلا تحت سلطان الضغط


(١) الحلل الموشية ص ١١٠، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٦. ويقول لنا صاحب روض القرطاس، إن الماسي حضر فتح مراكش مع عبد المؤمن وبايعه ثم خرج عليه (ص ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>