للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإرهاب المادي. والواقع أن وسائل الموحدين في نشر دعوتهم لم تكن حسبما رأينا مما فصلناه من قبل، رفيقة ولا إنسانية، بل كانت قائمة على الخضوع الأعمى للدعوة والإرهاب المطلق، وسفك الدم السريع. ومن ثم كان ارتداد القبائل الموالية، بمثل السرعة التي توحدت بها، وانضمامها إلى راية الدعيّ الجديد.

وشعر عبد المؤمن وأشياخ الموحدين، أن الأمر سوف يخرج من أيديهم، إذا لم تسحق ثورة الماسي بسرعة. فبعث عبد المؤمن لقتاله حملة بقيادة ابن يكيت ويحيى المسّوفي المعروف بأنجمار، فلقيهم الماسي في قواته وهزمهم وأثخن فيهم فعندئذ جهز عبد المؤمن لقتاله حملة ضخمة مختارة، تضم طائفة من الروم، أي النصارى المرتزقة، والرماة وغيرهم، من المقاتلة المدربين، وعلى رأسها الشيخ أبو حفص عمر الهنتاني وعدة من أشياخ الموحدين. وكان بين الجند الرماة فتى يمتُّ إلى الأدب بصلة، هو أبو جعفر أحمد بن عطية القضاعي، وهو من أهل مراكش، ولكنه يرجع إلى أهل الأندلس، وأصله القديم من طرطوشة ثم من دانية (١)، وقد كان ضمن كتاب علي بن يوسف، ثم كتب عن ابنه تاشفين ثم عن حفيده إبراهيم، وكان على حداثة سنه من أحظى كتاب الدولة اللمتونية. فلما سقطت مراكش أخفى نفسه، ودخل في غمر الناس، وانضم إلى كتائب الموحدين، لا يعلم بحقيقته أحد. وكانت الحملة الموحدية تضم نحو ستة آلاف فارس ومثلهم من الرجالة. وكان جيش الماسي يضم نحو الستين ألفاً، ليس فيهم من الفرسان سوى سبعمائة. وسار الموحدون صوب تامسنا بوادي ماسه، والتقوا بقوات الماسي، وذلك في السادس عشر من شهر ذي الحجة سنة ٥٤٢ هـ (٧ مايو ١١٤٨ م)، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة، قاتل فيها جند الماسي بشجاعة، ولكنهم هزموا في النهاية، وقتل الماسي، قتله الشيخ أبو حفص بيده، ومُزق جنده شر ممزق، وحمل الموحدون جثته فوق بغل، حيث صلبت على باب الشريعة بمراكش. وكان نصراً باهراً، انهارت على أثره ثورة الماسي وانفضت جموعه (٢).

وحدث على أثر انتهاء المعركة بظفر الموحدين، أن بحث الشيخ أبو حفص


(١) ابن الخطيب في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٢٧١.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١٠٦، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٦، والحلل الموشية ص ١١٠، وروض القرطاس ص ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>