للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن كاتب بارع يقوم بإعلام الخليفة بما أتاه الله من نصره، في رسالة قوية بليغة، فأرشد إلى فتى من الجند الرماة، يجيد الشعر والترسل، فاستحضره، وكان هو أبو جعفر بن عطية، فعهد إليه بأن يكتب عنه إلى الخلافة رسالة يصف فيها المعركة، فنزل أبو جعفر عند رغبته مرغماً، وكتب رسالته الشهيرة، في نصر الموحدين في ذلك اليوم، فجاءت قطعة من البلاغة المتدفقة، والبيان الرائع، وهي الرسالة التي رفعت إسمه وقدره، لدى الخليفة، وبين سائر الموحدين، وكانت سبيله إلى الوزارة، وإلى النفوذ والسلطان. وقد أورد لنا ابن الخطيب نص هذه الرسالة. وإنه ليكفي أن ننقل منها هاتين الفقرتين.

جاء في الديباجة ما يأتي:

" كتبنا هذا من وادي ماسة، بعدما تزحزح من أمر الله الكريم، ونصر الله المعلوم، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، فتح بمسرى الأنوار إشارقاً، وأحدق بنفوس المؤمنين إحداقاً، ونبه للأماني القائمة جفوناً وأحداقاً، واستغرق غاية الشكر استغراقاً، فلا تطيق الألسنة كنه وصفه إدراكاً ولا لحاقاً، جمع أشتات الطب والأدب، وتقلب في النعم أكرم منقلب، وملأ دلاء الأمل إلى عقد الكرب.

فتح تفتّح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها القشب

وتقدمت بشارتنا به جملة، حين لم تعط الحال بشرحه مهلة. كان أولئك الضالون المرتدون، قد بطروا عدواناً وظلماً، واقتطعوا الكفر معنى وإسماً، وأملى الله لهم ليزدادوا إثماً ".

ومنها في وصف مصرع أنصار الماسي: " فامتلأت تلك الجهات بأجسادهم، وأذنت الآجال بانقراض آمالهم، وأخذهم الله بكفرهم وفسادهم، فلم يُعاين منهم إلا من خر صريعاً، وسقى الأرض نجيعاً، ولقى من وقع الهنديات أمراً فظيعاً، ودعت الضرورة باقيهم إلى الترامي في الوادي، فمن كان يؤمل الفرار ويرتجيه، ويسبح طامعاً في الخروج إلى ما ينجيه، اختطفته الأسنة اختطافاً، وأذاقته موتاً زعافاً، ومن لج في الترامي على لججه، ورام البقاء في ثجه، قضى عليه شرقه، وألوى فرقته غرقه " (١).


(١) ابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة أبى جعفر بن عطية ج ١ ص ٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>