للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول البيذق بعد إيراد ما تقدم " تم الاعتراف بحمد الله وعونه .. فهدّأ الله البلاد للموحدين، وأعانهم على الحق ونصرهم، وأقاموا الدين، ولم يتفرقوا فيه. وتمهدت الدنيا، وأزال الله ما كان فيها من التخليط. وهذا كان سبب الاعتراف "، ثم يضع تاريخ هذه الحوادث الدموية في سنة ٥٤٤ هـ (١١٤٩ م) (١).

وإنه لمما يلفت النظر في هذا الحادث الدموي، أولا وقبل كل شىء، أنه وفقاً لأقوال البيذق، من عمل عبد المؤمن وتدبيره، وأنه يدمغ جهود عبد المؤمن وسياسته في توطيد الدولة الموحدية، بطابع بغيض. بيد أننا نشعر من جهة أخرى، أن هذا العمل وما تقدمه من تصرفات دموية عديدة، خلال هذا الصراع الديني والسياسي العظيم، لا يمكن أن تنسب إلى عبد المؤمن دون تحفظ.

ذلك أن عبد المؤمن إذا كان باعتباره خليفة الموحدين وقائدهم الأعلى، مسئولا عن هذه الأعمال المثيرة أمام التاريخ، فإنه يجب أن نذكر أيضاً أن عبد المؤمن، لم يكن بالرغم من رفيع مركزه، وسلطانه الظاهر، مطلق التصرف في كل ما يقوله أو يفعله، وأنه كان بالعكس مرغماً على أن يخضع في كثير من المواطن لضغط الأشياخ والقادة. فقد رأينا مثلا، كيف أنه حينما قُتل أخوه إبراهيم بيد بعض أكابر الموحدين، غلب على أمره، ومنع بتدخل أصحاب المهدي، من أن يقتص لمقتله من قاتله، ثم رأيناه بعد ذلك يُغلب على أمره مرة أخرى، حينما دخل الموحدون مراكش، وقُبض على إبراهيم بن تاشفين، وأتى به إلى عبد المؤمن فرقّ لحداثة سنه، وأراد أن يعفو عنه وأن يفره من القتل، فاعترض عليه بعض الأشياخ، وأخذ إبراهيم وقتل رغماً عن إرادته. ففي هذه الحوادث وأمثالها ما يدلى بوضوح بأن عبد المؤمن، لم يكن مطلق الحرية في سائر تصرفاته. وإنّا لنرتاب في أن يكون أمثال مذبحة الإعتراف، معبرة عن خلق عبد المؤمن وميوله الحقيقية، ونعتقد أنه لابد أن يكون وراءها، ووراء أمثالها من التصرفات الدموية المثيرة، ضغط الأشياخ والصحب، وقد كانوا في تلك المرحلة، هم أصحاب التوجيه الحقيقي، يزاولونه أحياناً بصورة ظاهرة، وغالباً من وراء حجاب.

- ٣ -

بعد أن تم لعبد المؤمن سحق الثورة الكبرى، في أراضي برغواطة ودكالة، وبعد أن تم له تمييز القبائل، وقتل المارقين على النحو المتقدم، اعتزم أن يقوم


(١) أخبار المهدي بن تومرت ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>