للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتخاذ هذا القرار، منها اضطراب الأمور في إفريقية واختلاف أمرائها، واستطالة العرب عليها؛ وعيثهم في أراضيها، حتى أنهم حاصروا مدينة القيروان. وأهم من ذلك كله ما حدث من اعتداء الفرنج الصقليين على الثغور الإفريقية، وافتتاحهم لمدينة المهدية (سنة ٥٤٣ هـ)، وسيطرتهم على الشاطىء الإفريقي من طرابلس حتى مياه تونس. كل ذلك حمل عبد المؤمن على أن يضع خطته لافتتاح إفريقية (١).

بيد أنه لم يسر في ذلك الاتجاه تواً، بل سار إلى سبتة متظاهراً بقصد الجواز إلى الأندلس برسم الجهاد. وهنالك استدعى وجوه الأندلس وفقهاءها وقوادها، فوفدوا إليه، فحدثهم في مسائلهم، وألقى عليهم توصياته ثم صرفهم، وغادر سبتة متجهاً في الظاهر إلى طريق مراكش، ولكنه سلك طريقاً أخرى غير مطروقة، وأمر في نفس الوقت بمنع السفر في الطرق المسلوكة، في المغرب الأوسط، من سلا إلى مكناسة، ومن مكناسة إلى فاس ومن تلمسان إلى فاس. ثم اتجه نحو الشرق، مبالغاً في إخفاء وجهته، وسار مسرعاً صوب بجاية، واستولى في طريقه على جزائر بني مزغنة (وهي التي صارت مدينة الجزائر فيما بعد)، ففر منها عاملها القائم بن يحيى إلى بجاية، ونبأ أباه يحيى بن العزيز بالله الصنهاجي، سليل بني حماد، بمقدم الموحدين. وكان بالجزائر في نفس الوقت، الحسن بن علي الصنهاجي صاحب المهدية، وابن عم صاحب بجاية، وكان الفرنج الصقليون قد استولوا على المهدية في أوائل سنة ٥٤٣ هـ (١١٤٨ م) حسبما تقدم، فخرج منها ملتجئاً إلى ابن عمه يحيى، فأنزله بالجزائر منزلا سيئاً، فلما دخلها الموحدون، بادر إلى عبد المؤمن فبايعه، وصحبه مستظلا برعايته.

ويجدر بنا أن نذكر هنا كلمة عن مدينة بجاية هذه، وهي التي سوف يتردد ذكرها منذ الآن فصاعداً، في مواطن ومناسبات تاريخية كثيرة. وكان إنشاؤها نتيجة لما حدث من الشقاق، بين بني زيري أمراء إفريقية. وذلك أنه قام خلاف بين تميم بن المعز بن باديس أمير إفريقية، وبين ابن عمه الناصر ابن علناس، ففارقه الناصر، وخرج في أصحابه، ودله بعضهم على موضع بجاية، وقد كان به منازل قليلة للبربر، وبين له مزاياه من المنعة، والمرسى الذي يمكن أن يغدو مركزاً هاماً لرسو السفن، وترويج التجارة، فأمر باختطاط مدينة بهذا الموقع، وهو في حماية جبل شاهق، وكان ذلك في حدود سنة


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>