للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٥٧ هـ (١٠٦٥ م) (١). وفي رواية أخرى أن بناء بجاية جاء نتيجة لتوغل العرب في إفريقية وعيثهم فيها، وأنهم لما قاموا بتخريب القيروان، ومعظم مدن إفريقية، فر منهم صاحب القيروان، وخرج لنصرته ابن عمه المنصور بن حماد، فهزمه العرب هزيمة شديدة، ففر إلى قاعدته بالقلعة، ولكن العرب جدوا في أثره، وطاردوه، فبحث عن موضع يختط فيه لنفسه محلة جديدة لا يلحقه فيها شر العرب، فدله بعض أصحابه على موقع بجاية، وكان مرسى قديماً، فاختطها فيه، ونقل إليها مركز حكمه، واتخذها دار ملكه (٢). ومن ذلك الحين سارت بجاية في طريق التقدم، وغدت من أغنى وأزهر الثغور الإفريقية.

وكان بنو حماد هؤلاء أصحاب بجاية والقلعة، وما يليها من ثغور المغرب الأوسط، بونة وقسنطينة والجزائر، هم فرع من بني زيري بن مناد ملوك إفريقية الصنهاجيين، الذين بسطوا عليها سيادتهم مذ غادرها بنو عبيد الفاطميون إلى مصر، في أواخر القرن الرابع الهجري، وكانوا يستظلون في البداية بسلطان الخلافة الفاطمية، ثم أعلنوا استقلالهم، وضخم ملكهم بإفريقية. وفي أوائل القرن الخامس خرج حماد بن يوسف بن زيري على ابن أخيه باديس بن المنصور ابن يوسف، واستقل بالمناطق الغربية، أعني الزاب والمغرب الأوسط، وكان والياً عليها من قبل ابن أخيه، وأسس بها إمارة جديدة عرفت بمملكة بني حماد.

ولما توفي حماد في سنة ٤١٩ هـ، تعاقب بنوه من بعده في الملك، وكان مركزهم في البداية بالقلعة، وهي محلة في غاية المناعة والحصانة، اختطها منشىء دولتهم حماد في بقعة حصينة، تقع جنوبي بجاية على مقربة من بلدة أشير، وقد كانت وفقاً لقول الإدريسي من أكبر البلاد في تلك المنطقة وأكثرها خلقاً، وأغزرها خيراً، وأوسعها أموالا، وأحسنها قصوراً ومساكن، وأعمها فواكه وخصباً، وهي في سند جبل سامي العلو، صعب الارتقاء، وقد استدار سورها بجميع الجبل، ويسمى تاقربست. ويقول لنا ياقوت في وصفها، من جهة أخرى، " وليس لهذه القلعة منظر ولا رواء حسن، إنما اختطها حماد للتحصن والامتناع " (٣).


(١) ياقوت في معجم البلدان تحت كلمة بجاية.
(٢) الاستبصار في عجائب الأمصار المنشور بعناية الدكتور سعد زغلول (الإسكندرية ١٩٥٨) ص ١٢٨ و ١٢٩.
(٣) الإدريسي في وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس ص ٨٦، وراجع ياقوت في معجم البلدان تحت كلمة " قلعة حماد ".

<<  <  ج: ص:  >  >>