للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم انتقل بنو حماد، بعد ذلك إلى بجاية منذ اختطها وأنشأها الناصر بن علناس بن حماد وذلك في سنة ٤٥٧ هـ، وجعلوها قاعدة ملكهم. وكانت مملكة بني حماد، حينما زحف الموحدون على بجاية في حالة اضطراب وتفكك، وكان ملكها يحيى ابن العزيز بالله أميراً ضعيفاً يعشق اللهو والصيد. وكان وزيره القائد أبو محمد ميمون بن علي بن حمدون هو حاكمها الحقيقي، فلما وصل الموحدون إلى بجاية ضربوا حولها الحصار. واتصل ابن حمدون سراً بعبد المؤمن، وفتح له أبواب المدينة، فدخلها الموحدون (١). وفي الوثائق الموحدية ما يؤيد هذه الرواية. ففي الرسالة، التي وجهها عبد المؤمن بعد فتح بجاية إلى أهالي قسنطينة يدعوهم إلى التوحيد، ما يفيد بأن القائد ابن حمدون كان ضالعاً في السر مع الموحدين، وأنه عقب فتح بجاية انضم إليهم، وخدمهم هو وأخوه الفقيه أبو عبد الله محمد بن علي بن حمدون (٢). بيد أن هناك رواية أخرى تقول إن ابن حمدون بالعكس خرج في قوات بجاية، وهي تزيد على العشرين ألف فارس، واشتبك في ظاهرها مع الموحدين في معركة هزم فيها، ودخل الموحدون المدينة على أثرها (٣). وزحفت في نفس الوقت قوة موحدية بقيادة عبد الله ولد الخليفة عبد المؤمن، على القلعة - قلعة بني حماد الشهيرة - وقد كانت من أعظم وأمنع قلاع المغرب، وكانت معقل بني حماد الأعظم، ومهد ملكهم الأول، فاستولت عليها، وقتلت بها عدة ألوف من الصنهاجيين. ولما دخل الموحدون بجاية فر عنها صاحبها يحيى بن العزيز بالله إلى بونة، وفر أخواه الحارث وعبد الله إلى صقلية حيث استظلا بحماية الفرنج.

ثم سار يحيى من بونة إلى قسنطينة، فامتنع بها مع أهله وقرابته، وهنالك حاصره الموحدون، فلما ضاق بالحصار ذرعاً، أرسل أخاه وشيوخ صنهاجة وقسنطينة، إلى عبد المؤمن يعلنون خضوعه، وإذعانه إلى التسليم ويطلبون الأمان فأجابهم عبد المؤمن إلى ما طلبوه. ولما غادر عبد المؤمن بجاية سار معه يحيى في أهله وولده إلى مراكش، وهنالك عاش في كنف الخليفة في عزة وسعة من الرزق، ولبثوا بمراكش حتى انقرض بيتهم. وكان استيلاء


(١) روض القرطاس ص ١٢٦.
(٢) راجع رسائل موحدية، المنشور بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال (الرباط سنة ١٩٤١) الرسالة السابعة ص ٢٠.
(٣) ابن الأثير ج ١١ ص ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>