للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموحدين على بجاية في شهر ذي القعدة سنة ٥٤٧ هـ (يناير سنة ١١٥٣ م) (١).

وكانت بجاية في ذلك الوقت، حسبما يصفها لنا الإدريسي، الذي زارها قبل ذلك بنحو عشرين عاماً، قاعدة المغرب الأوسط، وميناؤها عامرة بالسفن الواردة والصادرة، والبضائع تتدفق إليها براً وبحراً، وأهلها تجار مياسير، وبها من الصناعات والصناع ما ليس بكثير من البلاد، ولأهلها معاملات مع تجار المغرب الأقصى، وتجار الصحراء، وتجار المشرق، وبها تحل الشدود وتباع البضائع بالأموال الوفيرة، ولها بواد ومزارع، والحنطة والشعير يوجدان بها بكثرة، وكذلك سائر الفواكه، وبها دار صناعة لإنشاء الأساطيل والمراكب والسفن الحربية، يمدها الخشب الكثير الموجود في جبالها وأوديتها، والزفت البالغ الجودة والقطران الموجود في أقاليمها، وبها أيضاً معدن الحديد الطيب، وهي مركز هام للمواصلات إلى بلاد إفريقية. وهذا كله فضلا عن حصانتها الطبيعية، سواء من ناحية البر أو البحر (٢).

وكانت جموع من العرب من بطون أثبج وزغبة ورياح وغيرها، تحتل المنطقة الشاسعة، الواقعة جنوبي بجاية، وتعيش في ظل بني حماد، وتحت حمايتهم.

فلما استولى الموحدون على مملكة بني حماد، شعر أولئك العرب بما يهددهم من فقد أوطانهم وأرزاقهم، فاحتشدوا لمقاومة الموحدين، وأخذوا يغيرون على مؤخراتهم، ويزعجون محلاتهم، فاعتزم عبد المؤمن أن يطهر هذه المناطق من عيثهم، وسار في قواته إلى سطيف، وجهز لقتالهم حملتين، الأولى بقيادة صهره وزوج ابنته عبد الله بن وانودين، والثانية بقيادة يصلاسن بن المعز، ولكن ثار بين القائدين خلاف، تعدى فيه يصلاسن على زميله صهر الخليفة وأهانه. ثم تركه وحده في مواجهة العرب. فانتهز العرب هذه الفرصة وهاجموا قوات عبد الله بن وانودين وهزموه وأسروه ثم قتلوه. فاستشاط عبد المؤمن لذلك غضباً، وحشد كافة الموحدين لمقاتلة العرب. فلما شعر العرب بشدة وطأة الموحدين، افترقت كلمتهم، وأذعن بعض زعمائهم إلى التوحيد، وشدد عبد المؤمن


(١) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١١٣ و ١١٤، والحلل الموشية ص ١١٢ و ١١٣، وروض القرطاس ص ١٢٨ و ١٢٩، والمعجب ص ١١٣ و ١١٤. وراجع الرسالة الثامنة من رسائل موحدية ص ٢٤ و ٢٥، وكذلك المؤنس في أخبار إفريقية وتونس ص ١١١.
(٢) الإدريسي في وصف المغرب وأرض السوادن ومصر والأندلس ص ٩٠ و ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>