للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قتال من تبقى منهم، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة، دامت يوماً وليلة، وهزم العرب في نهايتها شر هزيمة، ومزقت جموعهم، وقتل وأسر منهم عدد جم.

وكان في مقدمة القتلى ألمع زعمائهم هلال بن عامر. واستولى الموحدون على غنائمهم من العتاد والدواب، وكانت وفيرة هائلة. ثم طاردوهم مدى ثلاثة أيام أو أربعة في مختلف الأنحاء، حتى قضوا على معظم فلولهم. وحدثت هذه الموقعة الحاسمة في شهر ربيع الأول سنة ٥٤٨ هـ (يونيه ١١٥٣ م) (١).

وبينما كان عبد المؤمن في بجاية، إذ اجتمعت حشود غفيرة من صنهاجة يقودها زعيم يدعى أبو قصبة من بني زالدوي، وانضمت إليها كذلك جموع كثيرة من كتامة ولواتة وغيرهما، وسارت هذه الجموع لقتال الموحدين، فبعث عبد المؤمن لردهم حملة قوية بقيادة أبى سعيد يخلف، وهو من أصحاب خمسين، فالتقوا في عرض الجبل شرقي بجاية، فانهزمت صنهاجة وحلفاؤها، وقتل معظمهم، وأخذت أسلابهم ونساؤهم (٢). ويقول لنا البيذق إن الذي قام بمدافعة صنهاجة هو عبد المؤمن نفسه، وقد كان في قلة من جنده وحشمه، ولكنه خرج ليردهم بنفسه، واشترك في قتالهم، مع أنه لم يمتشق السيف منذ موقعة البحيرة عام ٥٢٤ هـ (٣).

وغادر عبد المؤمن بجاية، بعد أن نظم شئونها، وندب لولايتها ولده أبا محمد عبد الله، وسار في جيشه الظافر، أولا إلى تلمسان، ثم سار إلى فاس، ومكناسة، ثم إلى سلا، ووزع الغنائم والسبي على هذه البلاد. ثم غادر سلا إلى مراكش، وفي ركبه عدة من زعماء العرب - أو سلاطينهم حسبما يصفهم البيذق - الذين خضعوا في تلك الحركة. ولما وصلوا إلى مراكش، زودهم بالأموال ورد إليهم نساءهم وأولادهم، وصرفهم إلى بلادهم.

- ٤ -

وصل عبد المؤمن إلى مراكش ليواجه آثار مؤامرة دبرت في غيبته، وكادت أن تصدع صرح حكومته، لو لم تخمد في مهدها.


(١) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١١٤ و ١١٥، ورسائل موحدية، في الرسالة التاسعة ص ٣٢ - ٣٥.
(٢) ابن الأثير ج ١١ ص ٦٠.
(٣) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>