للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان بطلا هذه المؤامرة أخوا المهدي ابن تومرت، أبو موسى عيسى، وأبو محمد عبد العزيز، وكانا مذ ظفر عبد المؤمن بخلافة المهدي واجتناء تراثه، يرقبان الفرص لبث الاضطراب والشغب، ويظاهرهما كثير من أهل هرغة، قبيلة المهدي، وكان عبد المؤمن بالرغم من وقوفه على ما يضمره الأخوان له من البغض والكيد، وما جنحا إليه من الانحراف، ومخالطة أهل السوء، يغضي عن سلوكهما، ويجزل لهما الصلات والنفقة، براً بذكرى المهدي وقرابتهما الوثيقة له، ويكتفي بإسداء النصح إليهما. فلما سار المهدي إلى غزاته لافتتاح إفريقية، شعر الأخوان بأن الفرصة قد سنحت لتدبير الإنقلاب المنشود، وكانا يقيمان بفاس، ويلتف حولهما نفر من الناقمين. فسارا في صحبهما من فاس إلى مراكش، وهنالك استطاعا تحريك بعض الجموع، واضطرمت بالمدينة فتنة، قتل خلالها والى المدينة عمر بن تَفْراجين حين خروجه في الفجر إلى الجامع، وكاد يستطير شررها. وعلم عبد المؤمن بما حدث وهو في سلا (أواخر سنة ٥٤٥ هـ)، فبعث الوزير ابن عطية على عجل ليستدرك الأمر، فوصل إلى مراكش بعد يومين، واستطاع في الحال أن يخمد الفتنة، وأن يقبض على زعيميها عيسى وعبد العزيز.

ويقول لنا البيذق إن الخليفة، أمر بقتل المخالفين من هرغة وأهل تينملّل، ولكنه أبقى على حياة أخوي المهدي وبعثهما إلى فاس حيث اعتقلا هناك تحت إشراف واليها الجيّاني (١). ولكن صاحب البيان المغرب يقول لنا إنهما قتلا وصلبا ضمن من قتلوا وصلبوا من الخوارج، فقتل عيسى قرب باب الدباغين، وقتل عبد العزيز بباب أغمات (٢). ويؤيد هذه الرواية ما ورد في خطاب الخليفة الرسمي عن الحادث من الإشارة غير مرة إلى مصرع المخالفين، وفتك العامة بهم وصلبهم خارج المدينة (٣).

وما كاد عبد المؤمن يصل إلى مراكش حتى قام بحركة تطهير شاملة، قُبض خلالها على كثير من الخوارج وأهل التخليط، حسبما تصفهم الرواية، من سائر القبائل، وألقوا إلى ظلام السجن. ثم أصدر الخليفة أمره بأن يتولى الموحدون المخلصون، من كل قبيلة، قتل المارقين من قبيلتهم بأنفسهم. فامتثل الموحدون


(١) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١١٦.
(٢) البيان المغرب، القسم الثالث ص ٣٨.
(٣) الرسالة الحادية عشرة من رسائل موحدية (ص ٣٢ و ٤٥ و ٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>