للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أمروا به، وتولوا الإجهاز بأيديهم، كل جماعة على أبناء قبيلتها، وكان الخليفة أثناء هذه المذبحة الجديدة، يجلس في البرج القائم في أعلى قصره، قصر الحجر، ليشهد التنفيذ بنفسه. ويقول المؤرخ معلقاً على ذلك " فطرقت للموحدين في هذا الوقت وحشة من الخجل والوجل، ودهشة من قبيح ما ظهر من الغادرين المذكورين، من نكوث العهد، في السهل والجبل، فتراموا على خليفتهم راغبين في العفو وإزالة الكدر، وجلب ما تعودوه من الخلوص والظفر، فقبل منهم ما أملوا، وتعطف عليهم على عادته بما سألوا ". وبعث الخليفة بهذه المناسبة، إلى مختلف البلدان، رسالة من إنشاء الوزير ابن عطية، تفيض بلاغة وبياناً، يفصل فيها ما حدث، ويوضح موقفه ويلتمس الأعذار لتبريره (١).

وكان من الحوادث البارزة في هذه الحركة الدموية مصرع القائد يصلاسن، ابن المعز الهرغي. وكان يصلاسن أو يصليتن حسبما يسمى في رواية أخرى من زعماء قبيلة هرغة، ومن أهل الدار، أعني من أقرباء المهدي (٢). وقد رأينا فيما تقدم كيف اختلف مع زميله القائد عبد الله بن وانودين صهر الخليفة، وتركه في قواته ليواجه وحده العرب، وكيف كان ذلك سبباً في هزيمته ومصرعه. وكان عبد المؤمن يتوق إلى معاقبة يصلاسن على سوء تصرفه. ومن جهة أخرى، فإنه يبدو أن يصلاسن كان ضالعاً مع خصوم عبد المؤمن، ومؤيداً لحركة أخوي المهدي. فلما عاد عبد المؤمن إلى مراكش، كان يصلاسن في سبتة، فأرسل الخليفة إلى واليها عبد الله بن سليمان بأن يدبر حيلة للقبض على يصلاسن وإرساله، فدعا عبد الله يصلاسن إلى نزهة بحرية في إحدى السفن، في مياه سبتة، فلما توسط البحر، انقض عليه وكبله بالحديد، ونبأ عبد المؤمن بما تم، فأمره بإعدام يصلاسن وصلبه بعد الإشهاد عليه بالذنب، فقام عبد الله بما أمر به (٣). وفي رواية روض القرطاس، أن عبد الله أرسل يصلاسن مكبولا إلى مراكش، وأنه أعدم بها وصلب على بابها تنفيذاً لأمر الخليفة (٤).

واضطرمت الثورة في نفس الوقت بأرض السوس، وارتدت قبيلة جزولة


(١) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٨ و ٢٩.
(٢) أخبار المهدي ابن تومرت ص ٢٩.
(٣) أخبار المهدي ابن تومرت ص ١١٥ و ١١٦.
(٤) روض القرطاس ص ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>