للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحصار زهاء ستة أشهر. وفي أثناء ذلك أعلنت مدينة صفاقس، ومدينة طرابلس، وجبال نفوسة، وقصور إفريقية، كلها الطاعة لعبد المؤمن، وجاء والي صفاقس عمر بن الحسين مع جماعة من الأشياخ فقدموا طاعتهم، وعين لهم عبد المؤمن حافظاً من الموحدين، وترك الشئون المخزنية لعمر، وكذلك جاء وفد من أعيان طرابلس وعلى رأسه واليها أبو يحيى بن مطروح، وبايعوا عبد المؤمن بالطاعة فأقر عبد المؤمن أبا يحيى على ولايته، واستمر في رياسته عصراً وسار جيش موحدي بقيادة السيد عبد الله بن عبد المؤمن، وقيل بقيادة الوزير محمد بن عبد السلام الكومي إلى مدينة قابس، فافتتحها بالرغم من خروج قاضيها وأعيانها لطلب الأمان، ونهبت أموالها، وأبيد من كان حولها من طوائف العرب. وفر واليها مدافع بن رشيد بن مدافع في أهله وصحبه. ثم عاد بعد فترة من التشريد، فاستجار بعبد المؤمن فعفا عنه، وأسكنه بقابس حتى توفي وكان مدافع عالماً حافظاً وأديباً شاعراً (١).

وجاء وفد من أعيان قفصة، وعلى رأسهم واليها يحيى بن تميم بن المعز، ليقدموا طاعتهم إلى عبد المؤمن، فتقبلها منهم، ومدح عبد المؤمن شاعرهم الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبى العباس التيفاشي، بقصيدة مطلعها:

ما هَزّ عطفيه بين البيض والأسل ... مثلُ الخليفة عبد المؤمن بن علي

ويقال إن عبد المؤمن لما سمع هذا البيت، أشار على الشاعر بأن يقتصر عليه، وأمر له بصلة قدرها ألف دينار (٢).

ولم تمض بضعة أسابيع على بدء الحصار، حتى قدم أسطول فرنجي كبير، مكون من مائة وخمسين سفينة، مشحونة بالأقوات والمقاتلة لإمداد الفرنج.

وكان هذا الأسطول قد عاد من جزيرة يابسة، إحدى الجزائر الشرقية بعدما أثخن فيها، وسبى أهلها، فلما قرب من صقلية، بعثه الملك وليم لإنجاد حامية المهدية، فلما اقتربوا من الخليج، خرج إليهم الأسطول المغربي بقيادة أبى عبد الله ابن ميمون، ونشبت بين الأسطولين معركة بحرية عظيمة انتهت بهزيمة الفرنج، واستيلاء المسلمين على عدة من سفنهم. ويقال إن عبد المؤمن كان خلال المعركة


(١) رحلة التجاني ص ٧٦ و ١٠١ و ٢٤٣.
(٢) ابن خلكان ج ١ ص ٣٩١، وابن الأثير ج ١١ ص ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>