للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثلاثمائة ميل في نحو أربعة أشهر ونصف، وقد كانت يومئذ " مسيرة سبعين يوماً للفارس المجد ". وسار الأسطول الموحدي في نفس الوقت قبالة شاطىء البحر المتوسط بقيادة أبى عبد الله بن ميمون، وكان مكوناً من سبعين سفينة حربية، من الشواني والطرائد والشلندرات. ولما وصل الموحدون إلى المدينة، بعث عبد المؤمن إلى أهلها يطلب الطاعة، فرفض أهل المدينة، وعلى رأسهم حاكمها أحمد بن خراسان، فبدأ الموحدون مهاجمة المدينة، وعاقت الرياح الأسطول عن دخولها من ناحية البحر، فلما دخل الليل، أقبل سبعة عشر رجلا من أعيانها يطلبون الأمان لأهلها، فمنحهم عبد المؤمن الأمان المطلوب لأنفسهم، وارتضى الأمان لأهل المدينة في أنفسهم وأهلهم فقط، على أن يقاسمهم الموحدون أملاكهم وأموالهم بحق النصف، وأن يخرج حاكم البلد وأهله منها، فاستقر الرأي على ذلك، ودخل الموحدون المدينة، ورصدت الأملاك والأموال، وأقيم عليها الأمناء لتحصيل ما يستحق منها للموحدين، وأقام بها عبد المؤمن ثلاثة أيام، وعرض الإسلام على من بها من النصارى واليهود، وأمر بقتل كل ممتنع عن اعتناقه، ثم غادر عبد المؤمن تونس في قواته، وسار جنوباً إلى المهدية، والأسطول يلاحقه في البحر، فوصل إليها في الثامن عشر من شهر رجب سنة ٥٥٤ هـ (٥ أغسطس ١١٥٩ م).

وكان الفرنج بالمهدية على أهبة للدفاع، وكانت حاميتها تتكون من ثلاثة آلاف مقاتل، وكانت المدينة فوق ذلك تموج بطوائف الأشراف والفرسان الفرنج (١)، وقد أخلى الفرنج ضاحيتها الشمالية زويلة، فدخلها عبد المؤمن، واحتلها الجند الموحدون والسوقة، وانضمت إليهم جموع غفيرة من العرب وصنهاجة. وأخذ الموحدون في منازلة المدينة، ولكنهم لم يستطيغوا خلال ثلاثة أيام من الهجوم المستمر، أن ينالوا منها شيئاً، وكانت بمناعة موقعها الطبيعي، والبحر يكاد يحيط بها إلا من لسان متصل بالبر، وبأسوارها الحصينة العالية، ترد كل محاولة، وكان الفرنج يخرجون منها بين آن وآخر لمقاتلة الموحدين، فينالون منهم، ثم يعودون بسرعة إلى الاعتصام بالمدينة. وعندئذ أدرك عبد المؤمن أنه لا سبيل إلى اقتحام المدينة، وأنه لابد من أخذها بالحصار والمطاولة، وأمر بجمع الغلال والأقوات، فجمعت حتى صارت بين العسكر كالجبال. واستمر


(١) ابن الأثير ج ١١ ص ٩٩، والحلل الموشية ص ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>