للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على استنقاذ إفريقية، وتحريرها من نير الفرنج، وكان عبد المؤمن نفسه، يرقب تقدم الفرنج في هذا الركن من شمال إفريقية، بكثير من التوجس، ويخشى أن يتفاقم عدوانهم بالتوغل في أرجاء أخرى من شمالي المغرب. ومن ثم فإنه ما كاد ينتهي من تنظيم الشئون الداخلية، حتى أمر باتخاذ الأهبة للجهاد، وأن تجمع الأقوات، وتحفر الآبار في الطرق، وبعث كاتبه عبد الملك بن عيّاش، بالكتب إلى سائر قبائل الموحدين، يستنفرهم للجهاد، وادخار المؤن، وكتب إلى أهل الثغور البحرية بإنشاء السفن والأجفان. وكان عبد المؤمن، بعد أن نكب وزيره وكاتبه أبا جعفر بن عطية، وأمر بقتله (صفر سنة ٥٥٣ هـ) حسبما نفصل في موضعه، قد استوزر مكانه عبد السلام بن محمد الكومي، وعين لكتابته عبد الملك بن عيّاش القرطبي. وفي فاتحة شوال سنة ٥٥٣ هـ (نوفمبر ١١٥٨ م)، غادر عبد المؤمن حضرة مراكش، وسار إلى رباط الفتح، قبالة ثغر سلا، مستخلفاً على مراكش الشيخ أبا حفص عمر بن يحيى الهنتاني ومعه ولده أبو الحسن علي، وعلى فاس أبا يعقوب يوسف بن سليمان. وتوافدت عليه العساكر من كل صوب. فلما تكامل ورود الجيوش الموحدية، تحرك عبد المؤمن من سلا في العاشر من شهر صفر سنة ٥٥٤ هـ (فبراير ١١٥٩ م) ومعه الحسن بن علي الصنهاجي أمير إفريقية السابق (١). وتقدر الرواية هذا الجيش الموحدي الكبير بمائة ألف مقاتل ومعهم مثل هذا العدد من الأتباع والسوقة (٢). وفي رواية أخرى أنه كان يضم خمسة وسبعين ألف فارس، وخمسمائة ألف من الرجالة، وكان يضم عدا طوائف الموحدين ومختلف القبائل من زناتة والأغزاز والرماة وغيرها، جموعاً كبيرة من قبائل العرب. وكان ينقسم إلى أربعة جيوش، لكل عسكر يوم يختص به، مسيره في كل مرحلة من السحر إلى وقت الغداة. وتنزل الجيوش مريحة إلى يوم آخر (٣). واخترق هذا الجيش الجرار هضاب المغرب، متجهاً نحو إفريقية، واخترق بلاد الزاب من جنوبها، وهو يفتتح المعاقل الممتنعة، ويؤمن من استأمن.

ثم اتجه نحو الشمال فوصل إلى أحواز مدينة تونس في الرابع والعشرين من جمادى الثانية، ومعنى ذلك أنه قطع هذه المسافة الشاسعة، وهي تبلغ نحو ألف


(١) البيان المغرب، القسم الثالث ص ٣٨، وابن الأثير ج ١١ ص ٩١.
(٢) ابن الأثير ج ١١ ص ٩١.
(٣) الحلل الموشية ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>