للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبى الحسن الفرياني، قد وُلي عليها من قبل رُجار، وأخذ أبوه الشيخ أبو الحسن إلى صقلية رهينة بحسن طاعته، ولكن أبا الحسن أوعز إلى ولده بأن ينتهز أول فرصة لتحطيم نير الفرنج، ولا يبالي في ذلك بمصيره. فأعلن عمر الخلاف، ودعا أهل المدينة إلى قتل الفرنج وسائر النصارى، ففتكوا بهم، وقتلوهم عن آخرهم، وكان ذلك في أوائل سنة ٥٥١ هـ (أوائل ١١٥٦ م). واضطرمت الثورة ضد الفرنج في نفس الوقت في طرابلس بقيادة شيخها أبى يحيى بن مطروح، وكان زعيماً شهماً حازماً، وأسرت الحامية النصرانية (أوائل سنة ٥٥٣ هـ)، وكذلك اضطرمت الثورة ضد الفرنج، في قابس، وسارت قوة موحدية من بجاية إلى مدينة بونة، وانتزعتها من الفرنج، ولم يبق بيد الفرنج من ثغور إفريقية سوى سوسة والمهدية. وحرض عمر بن أبى الحسن والي صفاقس، أهل بلدة زويلة الواقعة على مقربة من المهدية، أن يقتلوا النصارى ففعلوا، وعاونهم العرب على قطع المؤن والأقوات عن المهدية. ولما علم الملك وليم بذلك، حاول أن يدفع الفقيه أبى الحسن إلى نصح ولده، وبعث يتهدد عمراً بالويل، إذا لم يعدل عن سلوكه، فلم تنجح المحاولة، وأمر وليم بأبى الحسن فصلب أو شنق وهو يتلو القرآن (١). واجتمع أهل زويلة وصفاقس ومن معهم من الأعراب، وحاصروا المهدية، وضيقوا عليها، فبعث وليم إلى المهدية عدداً من السفن المشحونة بالرجال والأقوات، واستمال الفرنج الأعراب بالمال والأعطية، فانسحبوا من المعركة وانحصر القتال بين الفرنج وأهل صفاقس وزويلة، واستطاع أهل صفاقس الانسحاب بطريق البحر، ووقع عبء القتال كله على أهل زويلة، فارتدوا إلى بلدهم، وقاتلوا تحت أسوارها حتى فنى معظمهم، ولم ينج منهم إلا القليل، ودخل الفرنج زويلة فقتلوا من وجدوا بها من النساء والأطفال، ونهبوا الأموال، واستقر الفرنج بالمهدية، على أهبة للصراع المرتقب (٢).

ووفد على عبد المؤمن، وهو يومئذ بمراكش، وفود من زويلة، وغيرها من الثغور المنكوبة يستغيثون به، ويستصرخونه لرد عادية الفرنج عنهم وعن أرض الإسلام، فأكرم وفادتهم ووعدهم خيراً. وكان الحسن بن علي الصنهاجي أمير المهدية السابق، ما فتىء منذ نزوله في كنف عبد المؤمن، يحرضه


(١) رحلة التجاني (تونس ١٩٥٨) ص ٧٥ و ٢٤٢.
(٢) ابن الأثير ج ١١ ص ٧٦ و ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>