ولما سار الخليفة عبد المؤمن في جيوشه من سلا في أوائل سنة ٥٤٦ هـ، متجهاً إلى بجاية بغية فتحها، واستولى في طريقه على جزائر بني مزغنة، خرج إليه منها الحسن بن علي الصنهاجي، وكان معتقلا بها كما تقدم، وبايع عبد المؤمن بالطاعة، ملتجئاً إليه ومستظلا برعايته، فأكرم عبد المؤمن مثواه، وصاهره بأن تزوج ابنة من بناته، واصطحبه معه إلى مراكش. وبالرغم من تقدم الفرنج والنورمانيين على هذا النحو، في امتلاك ثغور إفريقية، فإن الظروف التي كانت تحيط بالموحدين يومئذ، لم تكن تسمح لعبد المؤمن، بأن يدخل في صراع مع الفرنج، وهو مازال يعمل على توطيد أركان الدولة الجديدة، ومطاردة أعدائها في الداخل، ومن ثم فإنه بعد أن افتتح بجاية، وقضى على شغب العرب المحالفين لبني حماد، عاد إلى سلا ثم إلى مراكش، ليواجه أحداثاً جديدة في الداخل.
ولكن الفرنج الصقليين لم يقفوا عند حد. ذلك أنه لم تمض بضعة أعوام على افتتاحهم للمهدية، وباقي ثغور إفريقية (تونس) الشرقية، حتى سار من صقلية أسطول فرنجي جديد بقيادة أمير البحر فيليب المهدوي، وقصد إلى مدينة بونة، الواقعة شرقي بجاية، في منتصف المسافة بينها وبين تونس، فحاصرها واستعان على أخذها بالعرب، وذلك في شهر رجب سنة ٥٤٨ هـ (أكتوبر ١١٥٣ م). وبالرغم من أن فيليب قد سبى أهل بونة، واستصفى أموالها، فإنه أغضى عن جماعة الفقهاء والعلماء، فتركهم يخرجون بأهلهم وأموالهم، فترتب على ذلك أن اتهمه بعض خصومه بأنه نصراني مارق، وأنه يبطن الإسلام هو وفتيانه، فقبض عليه الملك رُجّار، وحكم عليه بالموت حرقاً. وتوفي رُجّار بعد ذلك بقليل (فبراير ١١٥٤ م) وخلفه في الملك ولده، وليم، وهو المسمى في الرواية العربية غليالم. ولم يكن وليم يتمتع بكثير من مقدرة أبيه وحزمه فلم تلبث أن اضطربت شئون المملكة، وثارت عليه بعض النواحي، وكان لذلك أثره في تطور الحوادث في إفريقية.
ذلك أن أهل الثغور الإسلامية المفتوحة ما كادوا يشعرون باضطراب الأحوال في صقلية، حتى بادروا بإعلان الخلاف، ونبذ طاعة الفرنج، وكان أول من ثار منهم أهل جزيرة جربة، ثم تلتها مدينة صفاقس، وكان واليها عمر بن