للمدينة، قبل أن يفوت الوقت، ثم بادر هو بالخروج منها ومعه الأهل والولد، ومن صحبه من الفقهاء والأعيان، وقد حمل معه كل ما يستطاع من المال والذخائر، وتبعه معظم الناس، فخرجوا بأهلهم وأولادهم، ومعهم ما خف حمله من أموالهم ومتاعهم. ولم يكد يأتي العصر حتى كان معظم أهل المهدية قد غادروها، وأقبل الفرنج وعلى رأسهم جرجي ودخلوا المدينة دون ممانعة، ودخل جرجي القصر، وكان ما يزال غاصاً بنفيس المتاع والرياش والذخائر، وبه عدة من جواري الحسن، فاحتاط الفرنج على ما فيه، ونُهبت المدينة مدى ساعتين، ثم نودي بالأمان، فظهر من استخفى من أهل المدينة، واستدعى جرجي العرب القريبين فأحسن إليهم، وفرق فيهم أموالا جزيلة، وبعث طائفة من جند المهدية، في أثر من خرج من أهلها، ومعهم الأمان لهم، ومعهم كذلك دواب يعودون عليها، فعاد معظمهم. أما الحسن، فسار في أهله وولده، وكانوا إثنا عشر ولداً غير الإناث، والخاصة، وقصد إلى أمير من أمراء العرب يدعى محرز، وكان أبو الحسن قد آثره وأحسن إليه، فأكرم محرز وفادته، فأقام لديه شهوراً. ثم بعث إلى ابن عمه يحيى بن العزيز بالله صاحب بجاية، يستأذنه في الوفود عليه والانضواء تحت لوائه، والسفر من لديه إلى الخليفة عبد المؤمن، فأذن له يحيى، ولكنه ما كاد يصل إلى بلاده، حتى سيره إلى جزائر بني مزغنة، أو بني مزغنان (وهي الجزائر الحالية) وأنزله بها هو وأولاده في حالة اعتقال، وضيق عليه.
وهكذا انتهت باستيلاء الفرنج على المهدية، وعزل الحسن، مملكة بني زيري ابن مناد الصنهاجيين، بعد أن لبثت في إفريقية مذ رحل المعز لدين الله عنها إلى مصر، في سنة ٣٦١ هـ، وتولى زيري بن مناد حكمها، حتى سقوط المهدية في سنة ٥٤٣ هـ، مائة وثمانين سنة، ولم تمض أيام قلائل على استيلاء الفرنج على المهدية حتى سير أمير البحر جرجي حملة بحرية إلى سوسة، وكان واليها الأمير علي بن الحسن، فغادرها، وخرج عنها أهلها، ودخلها الفرنج دون قتال في الثاني عشر من شهر صفر. وسير جرجي بعد ذلك حملة أخرى إلى صفاقس، فاستولت عليها بعد مقاومة عنيفة من أهلها ومن حلفائهم العرب، وذلك في الثالث والعشرين من صفر. ثم نودي بالأمان، فعاد الناس إلى سوسة وصفاقس، وافتدوا حريمهم وأولادهم، وأحسن الفرنج معاملتهم. ثم وصلت بعد ذلك كتب الملك رُجّار بمنح الأمان لسائر أهل إفريقية. وهكذا استولى الفرنج النورمانيون على شاطىء