فثارت أطماع أولئك العرب، وأغراهم ما سوف ينالونه في إفريقية من أسباب الثراء والسلطان، وجازت النيل من بطون سليم وهلال جموع غفيرة وساروا إلى برقة، ونزلوا بها، واقتحموا أمصارها، واستباحوها، واستولوا على أسلابها، وبعثوا إلى إخوانهم في شرقي النيل يرغبونهم في اللحاق بهم، فجازت منهم جموع أخرى بعد أن أعطوا دينارين لكل رأس، واقتسموا الأراضي المفتوحة، فحصل لبني سليم الشرق، ولهلال الغرب، وأقامت طوائف من سليم وأحلافها برواحة وناصرة وعمرة من أرض برقة. وسارت قبائل دياب وزغبة وجميع بطون هلال إلى إفريقية، وهم " كالجراد المنتشر لا يمرون على شىء إلا أتوا عليه " حتى وصلوا إلى إفريقية وذلك في سنة ٤٤٣ هـ.
وكان أول من وصل إليها من أشياخهم أمير رياح موسى بن يحيى الصنبري، وكان المعز بن باديس حينما رأى تقاطر العرب نحو أراضيه، قد فكر في استمالتهم ومحالفتهم، فاستدعى موسى إليه وقربه وأصهر إليه، وحثه على استدعاء العرب، وذلك لكي يقوي جانبه بمؤازرتهم، فاستنصرهم وجلبهم. ولكنهم عاثوا في البلاد أيما عيث، ونادوا بشعار الخلافة الفاطمية، واشتدوا على أحياء صنهاجة، فغضب المعز، وقبض على أخى موسى، وخرج بقواته إلى ظاهر القيروان، واستعان بابن عمه حماد بن بلُكّين صاحب القلعة، فبعث إليه بالأمداد، والتفت حوله زناتة والبربر، وصمد في حشوده الجرارة للعرب، وكانوا وفقاً لأقوال الرواية في ثلاثين ألفاً، وفي مقدمتهم رياح وزغبة وعدى. فلما التقى الفريقان انخذل العرب من أنصار المعز، وخانته زناتة، فكانت عليه الهزيمة ففر في فلوله الباقية إلى القيروان، ونهب العرب جميع محلته، وقتلوا من حشوده أكثر من ثلاثة آلاف. ثم حاصر العرب مدينة القيروان، وطال حصارها، وخرب العرب أحوازها، وعاثوا فيها أيما عيث، وطوقت زغبة ورياح المدينة، ففر منها الأعيان والقرابة من آل زيري، وفر كثير من أهلها إلى تونس. وملك العرب في نفس الوقت قسنطينة وسائر أعمالها، واقتسموا بلاد إفريقية، وذلك في سنة ٤٤٦ هـ، فكان لزغبة طرابلس وأحوازها، ولمرداس من رياح باجة وما إليها، ثم اقتسموها مرة أخرى، فكان لهلال من تونس إلى الغرب، وبطونهم رياح وزغبة وجشم وقرة والأثبج وسفيان.
وغلب عائد بن أبى الغيث من شيوخهم على تونس، ونهبها، وملك أبو مسعود