سوسة صلحاً. ورأى المعز بن باديس ملكه يتصرم، فحاول التقرب من العرب، وصاهر ببناته الثلاث ثلاثة من أمرائهم، هم فارس بن أبى الغيث وأخوه عائد، والفضل بن أبى علي المرادي، ولكن ذلك لم يحقق له ما أمل، فسار إلى القيروان وسار العرب في أثره، فخشى أمرهم، وانحرف نحو الشاطىء ودخل العرب مدينة القيروان وخربوها ونهبوها، وعاثوا فيها أيما عيث واستباحوا سائر حريمها، واستصفوا سائر أموال المعز وآله، وفر عنها أهلها في سائر الأنحاء. وسار العرب بعد ذلك إلى المهدية، فنزلوها، وضيقوا على أهلها، وكثر فسادهم وعيثهم وتصدت زناتة بعد صنهاجة لمقاومتهم، فغلبوا عليها، واستولوا على سائر الضواحى والأعمال في تلك المنطقة. واضطرب أمر إفريقية. وساد بها الذعر والفزع، وانهارت أركان الأمن، وفسدت السابلة، وبسط العرب عليها حكم عصابات مروع، وغلبوا على صنهاجة وزناتة ومغرواة وغيرها، وسيطروا على نواحي طرابلس، وقابس والزاب، ومعظم أعمال إفريقية (١).
ثم وقع التهادن والصلح بينهم وبين صنهاجة وبقية القبائل البربرية، وتفرقوا في الضواحى والبوادي، فتكاثروا في تلك الجهات، وتأثل نفوذهم وسلطانهم بمضي الزمن، وأضحوا عاملا يحسب حسابه في ميزان القوى، في إفريقية، وفي بلاد الزاب، والمغرب الأوسط. بيد أنهم لبثوا دائماً عنصراً من عناصر الاضطراب والفوضى، يتنقلون بين مختلف الأحزاب والمعسكرات، ويتدخلون في مختلف الحروب التي تنشب على مقربة من ديارهم، لا تحدوهم في ذلك أية مثل سياسية أو دينية، ولا هم لهم إلا اجتناء الكسب والمغانم، من أي جانب وبأي الوسائل، وقد رأينا ما وقع بينهم وبين الموحدين من معارك، على أثر افتتاح عبد المؤمن لبجاية. وقد كانوا أولياء لأمرائها من بني حماد، يعيشون في كنفهم وتحت حمايتهم.
تلك هي قصة نزوح العرب إلى إفريقية وقصة تخريبهم لها. وقد نوه سائر الكتاب والمؤرخين المعاصرين والمتأخرين بتلك الروح العدوانية المخربة، وتلك الخواص الذميمة التي سادت طوائف العرب النازحين، وجعلت منهم عنصراً خطراً، تتوق سائر السلطات وسائر العناصر الأخرى من السكان إلى سحقه