للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإبادته، وإنقاذ العباد من شره وعدوانه (١). وسوف نرى فيما بعد أي دور خطير يلعبه أولئك العرب في حوادث إفريقية أيام نزول بني غانية بها.

وكان عبد المؤمن حينما تم له فتح المهدية، وإجلاء الفرنج من إفريقية، يتجه بكل جوارحه نحو شئون الأندلس. وكان يعتقد أنه يستطيع أن يستعين بطوائف المرتزقة من أولئك الأعراب، في حملات الجهاد التي يزمع تسييرها إلى شبه الجزيرة، وكانت طائفة من بني سليم قد اعتدت على مدينة قابس، على أثر افتتاح الموحدين لها، فبعث إليهم عبد المؤمن يعاتبهم ويستدنيهم، ووجه إليهم في ذلك شعراً من نظم القاضي ابن عمران. بيد أنهم تمادوا في عدوانهم، وتغلبوا على قابس، فبعث عبد المؤمن عسكراً لقتالهم، وهو بالمهدية، فهزمهم، واستنقذ قابس من أيديهم (٢).

وفكر عبد المؤمن قبل عودته إلى المغرب، أن يدعو العرب إلى الانتظام في عسكره، فجمع زعماء العرب من بني رياح وغيرهم، وحثهم على نصرة الإسلام بالأندلس، وطلب إليهم أن يجهزوا لهذه الغاية عشرة آلاف فارس، من أهل النجدة والشجاعة، ليجاهدوا في سبيل الله، إلى جانب الجيوش الموحدية، فتظاهروا بالموافقة والطاعة، وأقسموا على ذلك، وساروا معه حتى جبل زغوان. وكان من بين زعمائهم، زعيم يدعى يوسف بن مالك، فاتصل بعبد المؤمن بالليل، وأخبره بأن العرب لا يريدون المسير إلى الأندلس، وأنهم يعتقدون أنه يريد بذلك أن يخرجهم من بلادهم، وقد تحقق صدق ذلك في الليلة التالية، إذ هرب العرب تحت جنح الظلام إلى عشائرهم، ولم يبق سوى يوسف هذا، فسماه عبد المؤمن يوسف الصادق، وسار عبد المؤمن في قواته حتى وصل إلى مقربة من قسنطينة، ونزل هناك في وادي مخصب يقال له وادي النساء، بعيداً عن أطراف العمران، واستمر هنالك عشرين يوماً، والسكينة ترفرف على جيوشه، وقد انصرف العرب إلى أحيائهم التي يحتلونها. فلما علم عبد المؤمن باجتماعهم ثانية في أحيائهم بعث إليهم جيشاً من ثلاثين ألف مقاتل، بقيادة ولديه أبى محمد وأبى عبد الله،


(١) يشير ابن خلدون في مواضع كثيرة إلى عيث أولئك العرب وتخريبهم لمدن إفريقية (راجع كتاب العبر ج ٦ ص ١٤ و ١٥ و ١٦). ويشير الإدريسي إلى ذلك غير مرة (وصف المغرب وأرض السودان ومصر، الأندلس ص ٩٣ و ١٠٥ و ١٠٩ و ١٢٢)، وكذلك صاحب الاستبصار في عجائب الأمصار (ص ١٢٨ و ١٦١)، وغيرهم.
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>