للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى إشبيلية فوصل إليها, في الوقت الذي كان فيه ابن المنذر يعيث في نواحيها، فبعث لقتاله قوة عبرت نهر الوادي الكبير، والتقت بالمريدين في طريانة، فأوقعت بهم، وقتلت منهم عدداً جماً، وفر ابن المنذر في فله إلى لبلة، ثم لحق بشلب، وترك يوسف البطروجي للدفاع عن لبلة. وزحف ابن غانية على لبلة.

وكان ذلك في قلب الشتاء وشدة قره، فلبث على منازلة لبلة نحو ثلاثة أشهر، وعندئذ بلغه قيام الثورة في قرطبة بزعامة القاضي ابن حَمْدين، فترك لبلة وعاد إلى إشبيلية، وقد عول على التريث وملازمة الحيطة والحذر، إلى أن يستبين سير الحوادث.

ولما علم ابن قسيّ بما وقع من اضطرام الثورة في قرطبة، ألفى الميدان ممهداً للقيام بمغامرات جديدة. فأمر ابن المنذر أن يحشد قواته، وأن يسير ومعه ابن القابلة كاتب ابن قسي وصاحبه الأثير إلى قرطبة، ليحاول دخولها. وبعث إلى نفر من أنصاره بقرطبة ليعملوا على بث دعوته، وترغيب العامة في قبولها. فسار ابن المنذر وصاحبه في عسكر شلب ولبلة، إلى قرطبة. بيد أنهما حين اقتربا منها، علما بأن الحوادث قد تطورت، وأن أهل قرطبة استدعوا لرياستها سيف الدولة ابن هود، وطردوا ابن حمدين، فارتدا خائبين إلى الغرب، وفشلت محاولة ابن قسيّ في مهدها (١).

وكان الجو قد فسد عندئذ بين ابن قسيّ، وحليفه السابق سيدراي بن وزير صاحب باجة. وكان ابن قسي، قد دبر القبض عليه حينما وفد عليه بميرتلة أثناء غيبة المنذر وخلعه، ثم أطلق سراحه ورده إلى ولايته. ولما عاد ابن المنذر خائباً من حملة قرطبة، حاول ابن قسي أن يتفاهم مع سيدراي، ولكن سيدراي ارتاب في مقصده، وأبى الاستجابة له، فبعث ابن قسي، ابن المنذر لمحاربته، فهزمه ابن وزير وقبض عليه، ثم زحف على شلب وانتزعها (٢)، وانتهى بالاستيلاء على ميرتلة، وأعلن خلع ابن قسي والدعوة لابن حمدين صاحب قرطبة، وذلك في شعبان سنة ٥٤٠ هـ (٣). فبادر ابن قسي إلى الفرار، وعبر البحر إلى المغرب، وسار إلى مقابلة الخليفة عبد المؤمن، وتقدم إليه تائباً متبرئاً من دعاويه السابقة


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٠٣ و ٢٠٤.
(٢) ابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٥١.
(٣) الحلة السيراء ص ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>