للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتلهم. ولما علم المرابطون بباجة بما وقع، طلبوا من أهلها الأمان، وغادروها إلى إشبيلية. وعلى أثر خروجهم منها سار إليها ابن المنذر، ومعه فرقة من جند يابُرة أمده بها ابن وزير بقيادة أخيه أحمد، وخاله عبد الله بن الصميل، واستولى عليها. ثم سار ابن المنذر وابن وزير إلى ابن قسي، فسلما عليه بالإمارة، وبايعاه بالطاعة (ربيع الأول سنة ٥٣٩ هـ)، فأقر ابن وزير على حكم باجة وأحوازها، وابن المنذر على حكم شلب وأحوازها.

والظاهر أن ابن قسي حاول في تلك الفترة بالذات، أن يتصل بالموحدين لأول مرة. وكان لانتصار الموحدين في موقعة وهران ومصرع تاشفين بن علي سنة ٥٣٩، أعمق وقع في الأندلس، وأكبر حافز للعناصر الثائرة، على أن تمضي قدماً في ثورتها. وهنا بعث ابن قسي سفيراً إلى عبد المؤمن عاهل الموحدين، وهو قائم على حصار تلمسان، في أواخر سنة ٥٣٩، وتلقب في رسالته بالمهدي، فأنكر ذلك عبد المؤمن ولم يجاوبه (١)، لما لمسه من تعاليه في الخطاب عليه. وفي خلال ذلك وقعت بولاية الغرب حوادث هامة. وكان ابن المنذر، حين ولاه ابن قسي إمارة شلب، قد حشد قواته وقوات أكشونبة وسائر صحبه المريدين، ثم سار إلى ابن قسي بميرتُلة، وجدد له البيعة والعزم على نصرته ونشر دعوته، فجدد له ابن قسي عهده على ما بيده من البلاد، وسماه العزيز بالله. وعندئذ خرج ابن المنذر في قواته، وعبر نهر وادي يانه، وسار إلى مدينة وِلْبة على مقربة من شرقيه، فاقتحمها واستولى عليها، ثم سار منها إلى مدينة لَبلة الواقعة في شمالها الشرقي، واستولى عليها بمعاونة يوسف بن أحمد البطروجي، أحد أقطاب الثوار المريدين في تلك الناحية، وأخرج من كان في قلعتها من المرابطين. وهنا شعر ابن المنذر بتضاعف قواته، وتملكه الغرور، واعتزم أن يسير إلى مدينة إشبيلية، وقد شجعه ما نمى إليه من أنها كانت حينئذ دون أمير يتولى أمرها.

فخرج في قواته من لَبْلة، وسار إلى حصن القصر وطُلياطة من مشارف إشبيلية الغربية، واستولى عليها، ثم تقدم حتى الحصن الزاهر ودخله. بيد أنه حينما وصل إلى طُريانة ضاحية إشبيلية الغربية، التقى بقوة من المرابطين. وكان أمير الأندلس المرابطي أبو زكريا يحيى بن غانية، حينما وقف على حركات الثوار في غرب الأندلس، وسيرهم من لَبلة صوب إشبيلية، قد غادر قرطبة في قواته، وسار


(١) ابن خلدون في كتاب العبر ج ٦ ص ٢٣١، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>