من أصحابه المقربين، رجل وافر الدهاء والجرأة، يدعى محمد بن يحيى الشلطيشي، ويعرف بابن القابلة، وكان يسميه بالمصطفى لاختصاصه به، واطلاعه على أموره ومشاريعه، ويعتمد عليه في تنفيذ خططه. فأوعز إليه من مقره السري، أن يسير في صحبه المريدين إلى قلعة ميرتلة، وأن يدهموها وفق خطة وضعها لهم، وكان ذلك في أوائل سنة ٥٣٩ هـ.
وكانت حال المرابطين، ولاسيما في هذا الإقليم النائي، إقليم الغرب، قد اضطربت وغلب عليهم الضعف والوهن بما أصاب دولتهم في المغرب من الاختلال والانهيار، وبما افتقدوه من أمداد كانت تشد أزرهم وقت الحاجة، وزادت الجفوة بينهم وبين أهل الأندلس، لما اشتد من ضغطهم، وعيث جندهم بسبب الحاجة، وقد استطال عليهم الناس، وأخذوا في التعدي عليهم وإرهاقهم. وشعر الثوار في هذه الظروف التي هبطت فيها قوى المرابطين المادية والمعنوية، بأن مشاريعهم سوف يحالفها النجاح، وكان هذا شعور ابن قسي حينما دبر مع معاونه ابن القابلة خطة الاستيلاء على ميرتلة. فجمع ابن القابلة نحو سبعين رجلا من أولئك المريدين المتعصبين، وسار إلى ميرتلة، ودهم حصنها في جوف الليل، واستولى عليه، وذلك ليلة الخميس الثاني عشر من صفر سنة ٥٣٩ هـ، وضبط ابن القابلة القلعة، وأعلن بها عدوة ابن قسي. وحاول المرابطون في تلك الجهة استعادتها من المريدين، فلم يفلحوا فتركوها، وانقلبوا إلى تخريب تلك المنطقة.
وفي غرة ربيع الأول وصل ابن قسيّ إلى ميرتلة في جمع حاشد من المريدين، شعارهم التهليل والتكبير، فصعد إلى قصبتها، واستقر بقصرها، وتسمى بالإمام، وبعث إلى أعيان ولاية الغرب وزعمائها، يدعوهم إلى الانضمام إليه، وإلى الثورة ضد المرابطين. فاستجاب له كثير من أهل تلك الأنحاء، وقام أهل يابُرة بزعامة عميدهم سيدراي بن وزير، ونزعوا سلطان المرابطين، وحذا حذوهم أهل شلب، بقيادة زعيمها محمد بن عمر بن المنذر. وكان ابن المنذر هذا ينتمي إلى بيت قديم من بيوتات المولدين بشلب، وكان من علمائها ونبهائها، وقد درس في إشبيلية، وبرع في الفقه والأدب، ووُلي خطة الشورى ببلده، ثم تزهد على مثل ابن قسيّ، واستقر برابطة على شاطىء البحر تعرف برابطة الريحانة، واعتنق دعوة ابن قسي وتوثقت صلاتهما. ولما قام بشلب اقتداء بابن قسي في ميرتلة، سار إلى حصن مرجيق في شرقي شلب، وانتزعه من المرابطين