للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ١ -

في تلك الآونة ظهر أول الزعماء الثائرين بالأندلس في منطقة شِلْب في جنوبي البرتغال، واضطرمت أول ثورة فعلية ضد المرابطين. أما الزعيم الثائر فهو أبو القاسم أحمد بن الحسين بن قَسِيّ. وأما الثورة فهي ثورة أتباعه المريدين. وكان ابن قَسِيّ مُوَلداً، يرجع إلى أصل نصراني. وقد نشأ في أحواز شلب، واشتغل في بداية أمره مشرفاً بشلب (١)، ثم اعتنق طرائق الصوفية، وتبحر فيها حتى غدا من شيوخها، وألف فيها طائفة من الكتب، منها كتاب " خلع النعلين ". ثم تزهد، أو تظاهر بالزهد وباع أمواله، وتصدق بثمنها، وتجول في البلاد، ولقي بألمرية قطب الصوفية يومئذ أبا العباس بن أحمد بن محمد الصنهاجي الأندلسي المعروف بابن العريف، ودرس عليه، ثم عاد إلى وطنه، واستقر بقرية جلة من أحواز شلب، وابتنى بها رابطة كان يجتمع فيها بصحبه، وانكب على قراءة كتب الغزالي، والتف حوله كثير من الصحب والأنصار، ينكبون على قراءة الكتب الصوفية والباطنية، ورسائل إخوان الصفا وغيرها، وينهمكون في مزاولة شعائر الطريقة ورسومها، حتى ذاع أمرهم بالأخص بمنطقة شلب وميرتلة ولبلة، وغيرها من أعمال غرب الأندلس، وسموا بطائفة " المريدين " (٢). وكان ابن قسيّ في الواقع يتخذ الصوفية قناعاً لمشاريع يضمرها، ويدعو إلى الثورة في الباطن، ثم لم يلبث أن ادعى الولاية والهداية، وتسمى بالمهدي وبالإمام، وكثرت مخاريقه وشعوذته، وزعم القدرة على الخوارق، ومن ذلك أنه حج في ليلة واحدة، وأنه يناجي بما يشاء، وينفق من الكون، فذاع أمره، وتقاطرت إليه الوفود، من أهل البيوتات والأجناد. وكان من صحبه جماعة ممن ظهروا فيما بعد، في ميدان الحوادث، مثل أبى محمد سيدراي بن وزير، وابن عفان، وكلاهما من زعماء يابُرة، ومحمد بن المنذر من أهل شلب، ومحمد بن عمر، وعبد الله بن أبى حبيب، وغيرهم من زعماء ولاية الغرب. ولما شعر أن السلطات فطنت لأمره، وهمت بمطاردته، وقُبض على جماعة من أصحابه، وأخذوا إلى إشبيلية، سار هو إلى جهة ميرتلة، واختفى هناك بقرية الجوزة عند قوم يعرفون ببني السنة. وكان


(١) ويقول ابن الأبار إنه كان يشتغل بالأعمال المخزنية أي المالية (الحلة السيراء ص ١٩٩).
(٢) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ١٩٩، وابن الخطيب في أعمال الأعلام ص ٢٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>