للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجلس الخليفة (١). بيد أنه ما لبث أن انقلب عليه، وكفر بصنيعته، وأخذ يحرض عليه، ومن ذلك أبيات نظمها ضده وخرجت بمجلس عبد المؤمن يقول فيها:

قل للإمام أطال الله مدته ... قولا تبين لذي لب حقائقه

ان الزراجين قوم قد وَتْرتَهُم ... وطالب الثأر لم تؤمن بوائقه

وللوزير إلى آرائهم ميل ... لذاك ما كثرت فيهم علائقه

فبادر الحزم في إطفاء نارهم ... فربما عاق عن أمر عوائقه

هم العدو ومن والاهم كُهُم ... فاحذر عدوك واحذر من يصادقه

الله يعلم أني ناصح لكم ... والحق أبلج لا تخفى طرايقه (٢)

والظاهر أن هذه الأبيات، قد تركت أثرها في نفس الخليفة، وقد كانت مستعدة بما أوحى إليه من مختلف المصادر للتنكيل بأبى جعفر. وكان أبو جعفر قد ترامت إليه وهو في شبه الجزيرة، أنباء مقلقة عما يدور حوله من دسائس، وما يرمى به من التهم، فعجل بالعودة، ليرد هجوم خصومه، ولكن الخليفة، كان عندئذ قد اعتزم أمره، فما كاد يصل إلى مراكش، حتى أمر عبد المؤمن بالقبض عليه واعتقاله، ثم اقتيد بعد أيام قلائل إلى الجامع مهاناً حاسر الرأس كسير الفؤاد، واستحضر الناس على طبقاتهم ليعلنوا ما يعلمونه من أمر الوزير المنكوب، ومنهم أشياخ الموحدين والطلبة، ووفود الأندلس، وطلب إليهم ابن عمر باسم الخليفة أن يقول كل منهم ما يعلمه عن ابن عطية من سوء، وما إذا كان قد أعطاه شيئاً أو صانعه، وكان الوزير عبد السلام الكومي، قد رتب أعوانه وصنائعه لهذا اليوم. فأجاب كل من الحضور بما اقتضاه هواه. ولم يرتفع لسان بالدفاع عن ابن عطية سوى ابن وزير صاحب شلب وباجة السابق، حيث أكد أنه لم يعط ابن عطية يوماً شيئاً إلا رده إليه مضاعفاً، وأنه لو عين الخليفة للوساطة بينه وبين رعاياه، عبداً حبشياً، لكان من واجبهم أن يعظموه وأن يهادوه. فلما انتهى المجلس أعيد ابن عطية إلى سجنه، وسجن معه أخوه الكاتب أبو عقيل بن عطية، ولبث الأخوان في المطبق بضعة أشهر، وأبو جعفر، يتوسل إلى الخليفة


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢١٥، و ٢١٦، وفي التكملة (القاهرة) رقم ١٧٥٠.
(٢) الحلة السيراء ص ٢١٦، والإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>