فعفواً أمير المؤمنين فمن لنا ... بحمل قلوب هدها الخفقان
عطفاً علينا أمير المؤمنين فقد ... بان العزاء لفرط البث والحزن
قد أغرقتنا ذنوب كلها لجج ... وعطفة منكم أنجى من السفن
وصادفتنا سهام كلها غرض ... لها ورحمتكم أوفى من الجنن
هيهات للخطب أن تسطو حوادثه ... بمن أجارته رحماكم من المحن
أنتم بذلتم حياة الخلق كلهم ... من دون منٍّ عليهم لا، ولا ثمن
ونحن من بعض من أحيت مكارمكم ... تلك الحياتين من نفس ومن بدن
وصبية كفراخ الورق من صغر ... لم يألفوا النوح في فرع ولا فنن
قد أوجدتهم أياد منك سابقة ... والكل لولاك لم يوجد ولم يكن
ولكن عبد المؤمن لم يتأثر لضراعة وزيره، ولم تجد الرحمة إلى قلبه سبيلا.
وقيل في سبب قسوة عبد المؤمن على وزيره، أنه أفضى إليه بسر خطير فأفشاه.
ويوضح لنا المراكشي ماهية هذا السر، فيقول لنا إن يحيى بن أبى بكر الصحراوي أو ابن الصحراوية فارس المرابطين، الذي فصلنا أخباره فيما تقدم، كان قد استأمن إلى عبد المؤمن، فأمنه وأكرم وفادته، وحظى لديه، وجعله قائداً على من بقي من لمتونة، وكانت زوجة ابن عطية، زينب بنت أبى بكر أخت يحيى المذكور، وحدث أن ترامت إلى عبد المؤمن أشياء وأقوال نسبت إلى يحيى الصحراوي غضب منها، ونقمها عليه، وقرر أن ينكل به، وصدر عنه في بعض مجالسه، ما يفصح عن هذا العزم، فكان من ابن عطية أن قال لزوجته أخت يحيى أن تحذر أخاها، وأن يتمارض إذا دعى إلى مجلس الخليفة، وأن يلوذ بالفرار إذا استطاع إلى ميورقة، ففعلت زينب ما طلب إليها، وتمارض يحيى، وزاره بعض صحبه في مرضه، فأفضى إلى بعضهم. بما بلغه من الوزير، وما نصح به، فنقل هذا الصديق ما سمعه إلى بعض ولد عبد المؤمن. ووقف عبد المؤمن على ذلك، فكان هذا هو أعظم سبب في نكبة ابن عطية (١). ولما توجه عبد المؤمن بعد ذلك، في أوائل سنة ٥٥٣ هـ إلى تينملل لزيارة قبر المهدي،
(١) المراكشي في المعجب ص ١١١. وقد ذكرنا فيما تقدم نقلا عن ابن الخطيب، أن زوجة ابن عطية كانت حفيدة زينب بنت علي بن يوسف.