إشبيلية، وحشد أبو عثمان وعبد الله بن خالد حوله جموعاً كبيرة من الأموية وأهل الشام. وعاد يوسف والصميل إلى قرطبة ليدبروا الأمر معاً، وأشار الصميل على يوسف بمصانعة عبد الرحمن وملاطفته وإغرائه بمصاهرته، فأرسل إليه يوسف وهو ما يزال بطرُّش وفداً يعرض عليه أن يزوجه ابنته، ويقطعه كورة إلبيرة (غرناطة) أو كورة ريه أو يقطعه ما بينهما، وبعث إليه هدية وشيئاً من المال، وكتاباً طويلا يرغبه فيه بمحالفته. وينقل إلينا منه صاحب البيان المغرب هذه الفقرة:" أما بعد فقد انتهى إلينا نزولك بساحل المنكب، وتأبش من تأبش إليك، ونزع نحوك من السراق وأهل الختر والغدر، ونقض الأيمان المؤكدة التي كذبوا الله فيها وكذبونا، وبه جل وعلا نستعين عليهم. ولقد كانوا معنا في ذرى كنف ورفاهية عيش، حتى غمضوا ذلك، واستبدلوا بالأمن خوفا، وجنحوا إلى النقض، والله من ورائهم محيط. فإن كنت تريد المال وسعة الجناب. فأنا أولى بك ممن لجأت إليه، أكنفك وأصل رحمك، وأنزلك معي إن أردت أو بحيث تريد، ثم لك عهد الله وذمته بي، ألا أغدرك ولا أمكن منك ابن عمي صاحب إفريقية ولا غيره ... ". ولكن عبد الرحمن لم يخدع بوعود يوسف وعهده، فأبى عرضه ورد رسله، وكان يسمو بأطماعه إلى أبعد من ذلك وأرفع، وكان سلطان الأندلس كلها مطمح آماله (١). وكان قد آنس عندئذ ذيوع دعوته وقوة أنصاره، فسار في صحبه من طرّش إلى ريُّه، فبايعه عاملها عيسى بن مساور، ثم إلى شذونة فبايعه عاملها علقمة بن غياث اللخمي، ثم إلى إشبيليه، فبايعه كبيرها أبو الصباح بن يحيى اليحصبي زعيم اليمنية، وانضم إليه أثناء تجواله كثير من الأنصار والجند، واجتمع له في إشبيلية زهاء ثلاثة آلاف فارس، وذاعت دعوته في غربي الأندلس كله، وأقبلت إليه المتطوعة من كل صوب، من المضرية واليمنية وأهل الشام. ولما رأى أنه يستطيع البدء بمناجزة يوسف سار في قواته صوب قرطبة، وكان ذلك في فاتحة ذى الحجة سنة ١٣٨ هـ (أوائل سنة ٧٥٦ م). وفي ذلك الحين كان يوسف والصميل قد حشدا جموعهما، ومعظمها من الفهرية والقيسية، وكان جند يوسف قد وهن، وتفرق معظمه خلال الفتن والغزوات المتوالية، وجاءت دعوة عبد الرحمن الأموي فزادته تفرقاً وضعفاً.
(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٤٧؛ وأخبار مجموعة ص ٧٩ و٨٠.