للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرج يوسف بقواته إلى المسارّة في ظاهر قرطبة من الغرب، على ضفة نهر الوادي الكبير، وكان عبد الرحمن قد أشرف بجيشه على ضفة النهر الجنوبية، في قرية مقابلة تسمى " بلَّة نوبة " (فليا نويفا Villanueva) (١) . وفرق النهر بين الجيشين مدى أيام ثلاثة، وفي اليوم الرابع وهو يوم الخميس تاسع ذى الحجة، هبط ماء النهر وانحسر في بعض المواضع، فتأهب الفريقان للحرب، ولم تنجح محاولة يوسف في سبيل عقد الصلح، وصمم عبد الرحمن على القتال في اليوم التالي أعني يوم الجمعة، وكان يوم الأضحى، متيمنا في ذلك بذكرى موقعة مرج راهط الشهيرة، التي انتصر فيها جده مروان بن الحكم، على قوات عبد الله ابن الزبير، التي يقودها الضحاك بن قيس الفهري، وذلك في يوم الأضحى - وقد كان الجمعة أيضاً - سنة ٦٤ هـ. وفي اليوم التالي دفع عبد الرحمن قواته لاقتحام النهر، وكان أول من اقتحمه منهم جند بني أمية، وكان يوسف يتفوق على خصومه بكثرة فرسانه، ولكن التفرق كان يسود جنده، وكانت جموع عبد الرحمن تضطرم على قلتها عزماً وحماسة، فنشبت بين الفريقين معركة عنيفة ولكن قصيرة، فلم يأت الضحى حتى مزقت خيل يوسف، وهزم جيشه هزيمة شديدة، ونهبت أسلابه، وقتل كثير من وجوه القيسية والفهرية (٢). وفر يوسف صوب طليطلة، حيث كان ولده عبد الرحمن، وفر الصميل صوب جيان. ودخل عبد الرحمن الأموي وصحبه قرطبة دون معارضة، وحمل جنده ما استطاع على الاعتدال والقناعة، وحمى أسر خصومه وحريمهم وأموالهم من العيث، وصلى الجمعة في الجامع، ثم نزل بالقصر، وبويع في الحال بالإمارة، وذلك في العاشر من ذى الحجة سنة ١٣٨هـ (١٣ مايو سنة ٧٥٦ م) (٣).

كان يوم المسارّة بالنسبة لعبد الرحمن فاتحة الظفر لا غايته، فقد استطاع بعد أحداث وخطوب جمة أن يجوز إلى الأندلس، وأن يفتتح عاصمتها، وأن ينتزع إمارتها لنفسه، ولكنه ظفر بعرش لم يتوطد سلطانه بعد. وكان ثمة بينه وبين مُلْك


(١) ابن القوطية ص ٢٦.
(٢) ويبالغ البعض في تقدير عدد القتلى فيقدره بسبعين ألفا (ابن القوطية ص ٢٧).
(٣) يفرد صاحب أخبار مجموعة فصلا مسهبا لهذه الموقعة، وكيفية تقسيم الجيشين المتحاربين وأسماء القادة في كل منها (ص ٨٦ - ٩٠). وراجع أيضا ابن القوطية ص ٢٦ - ٢٨؛ ونفح الطيب ج ٢ ص ٦٥ و٦٦؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٤٨ و٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>